بتاريخ 21 شباط/فبراير 2021، وقع صندوق الثروة السيادية للسلطة الفلسطينية، وهو صندوق الاستثمار الفلسطيني، مذكرة تفاهم مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيغاس" من أجل تطوير حقل غزة البحري الواقع في المياه الفلسطينية التي تخضع للحصار البحري الإسرائيلي وتشكّل منطقة متضرّرة من النزاع.[1] وأكد الجانبان أن تطوير حقل غاز غزة "سيكون له أثر كبير على قطاع الطاقة فى فلسطين وتحديداً فى إيجاد حلّ جذرى لأزمة الطاقة التى يعانى منها قطاع غزة، وتزويد محطة جنين لتوليد الطاقة بالغاز مما سيساهم فى تعزيز الاستقلال الوطنى الفلسطينى والاعتماد على الموارد الوطنية فى قطاع الطاقة".[2] وفي اليوم التالي، 22 شباط/فبراير 2021، أبرم وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس ووزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا اتفاقية منفصلة في القدس بشأن تدشين خط أنابيب لنقل الغاز من حقل لوثيان الإسرائيلي إلى مصر، وهو خط أنابيب الغاز الثاني الذي تشيّده الدولتان مجتازة الساحل الفلسطيني.[3]
تحذّر مؤسسة الحق من أن السلطة الفلسطينية تسهم إسهامًا مباشرًا، من خلال قبولها بهذه «الصفقة التجميلية» التي تعمل على تسهيل الأعمال التجارية التي تُجريها إسرائيل في مجال الغاز على المستويين الإقليمي والدولي، في ترسيخ الاستعمار الإسرائيلي الدائم في الأرض الفلسطينية المحتلة وتكريس الإغلاق المتواصل الذي تفرضه على قطاع غزة. وترقى هذه الاتفاقية إلى مرتبة هيمنة الشركات، حيث «تقوّض النخبة الاقتصادية إعمال حقوق الإنسان والبيئة من خلال ممارسة نفوذ كبير على صناع القرار على المستوى المحلي والدولي وعلى المؤسسات العامة». ويقود هذ
تطبيع العلاقات مع إسرائيل ومصر اللتين تفرضان الحصار على البحر الفلسطيني
استُهلت الاتفاقية المذكورة بتحوُّل جذري على صعيد التطبيع، وإبرام ما يسمّى باتفاقيات أبراهام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في شهر آب/أغسطس 2020، وإسرائيل والبحرين في شهر أيلول/سبتمبر 2020، وتلاهما إبرام الاتفاقيات بين إسرائيل والمغرب في شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، بغية إقامة علاقات دبلوماسية كاملة في مجال الطاقة ومجالات أخرى - وحظيت هذه الاتفاقيات بتأييد السودان ومباركته أيضًا باعتبارها تحقق «رؤية السلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم». وفي رسالة إدانة مفتوحة، وجّه شعوان جبارين، مدير عام مؤسسة الحق، الانتقاد لهذه الاتفاقيات ودعا الدول الثالثة إلى التدخل، حيث صرّح بقوله: «لقد آن الأوان للمجتمع الدولي والشعب الفلسطيني أن ينهضا معًا ويقاوما هذا التطبيع الإقليمي السافر لضمان إعمال حق أبناء شعبنا في تقرير المصير والسيادة الدائمة والحيلولة دون إنفاذ التدابير الإسرائيلية والإقليمية التي ترمي إلى محو شعبنا وثقافتنا وأرضنا ووطننا».
ومن الجدير بالذكر أن حقل لوثيان يُعَدّ أكثر أصول الغاز المُدرّة للربح في قطاع الطاقة الإسرائيلي. وتحوي حقول لوثيان، التي تشغّلها شركات ديليك للحفر وشيفرون (وكانت تشغّلها شركة نوبل إنرجي من قبل)، كمية هائلة تبلغ 21 ترليون قدم مكعب من الغاز، وهي كمية يرى المحللون الصناعيون أنها «تغير قواعد اللعبة» بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك، تكمن مشكلة إسرائيل في أن الغاز يتخطى احتياجات سوقها المحلي إلى حد بعيد، ويجب تصديره من أجل ضمان جني الأرباح الكاملة من إيراداته - وهذا لا يستلزم تصدير الغاز إلى الأسواق الإقليمية فحسب، بل تصديره إلى السوق الأوروبية التي تدر قدرًا أكبر من الأرباح.
وتتولى تشغيل حقل لوثيان منظمات تجمعها علاقات وطيدة بالحركة الصهيونية. فعلى سبيل المثال، كان بيني زومير، المدير القُطري لشركة نوبل إنرجي في إسرائيل، عضوًا في جماعة الضغط التابعة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). ولا يمكن التقليل من شأن العلاقة القائمة بين صناعة الغاز وأيديولوجيا الاستعمار الاستيطاني الصهيونية. فحسبما تبينه مقالة نشرتها صحيفة «إسرائيل هايوم» (Israel Hayom)، «لا يشكّل استثمار شركة النفط دفعة قوية لصناعة الغاز الطبيعي في إسرائيل فحسب، بل إنه يقدم دليلًا أكبر على أن العالم العربي قد تخلّى عن الحرب التي كان يشنّها على الدولة اليهودية. فعلى مدى عقود ممتدة، كان من بين المبادئ المسلَّم بها في النقاش الذي دار حول الحرب التي كان العالم العربي يخوضها ضد إسرائيل يتمثل في الدور الذي كانت صناعة الغاز الأمريكية والدولية تؤديه في مساندة الحرب العربية على الحركة الصهيونية».
وفي الوقت نفسه، تملك شركة شيفرون، وهي ثاني أكبر الشركات النفطية، سجلًا قاتمًا يشهد على ارتكابها انتهاكات تمسّ حقوق الإنسان، حيث خضعت هذه الشركة للمساءلة قبل عشرة أعوام أمام المحكمة العليا في الإكوادور عن تدمير البيئة في غابات الأمازون، والتي تسببت في وقوع كارثة «تشيرنوبيل الأمازون». وترفض شركة شيفرون، حتى هذا اليوم، دفع 18 مليار دولار تعويضًا عن الأضرار التي سبّبتها، وعملت بخلاف ذلك على استهداف المحامي المدافع عن حقوق الإنسان ديفيد دونزيغر، الذي ساعد في رفع هذه القضية البارزة، ويخضع في هذه الآونة للحبس المنزلي ويحاكَم في دعوى قضائية رفعتها عليه شركة خاصة تجمعها علاقات بشركة شيفرون. وفي شهر أيلول/سبتمبر 2020، أيدت المحكمة المحلية في لاهاي قرار التحكيم الذي صدر عن محاكم الإكوادور بحق شركة شيفرون ورأت أنه واجب النفاذ بموجب القانون الدولي.
شركات الغاز تستنزف الغاز الفلسطيني من جانب واحد
في العام 2011، وفي أعقاب تقليص إمدادات الغاز الإسرائيلي المورَّد إلى السوق المحلي، عملت مجموعة شركات ديليك للحفر ونوبل إنرجي على استنزاف حقل الغاز الحدودي الذي تتقاسمه فلسطين وإسرائيل، وذلك في ظل غياب اتفاقيات التعاون التي تشترطها اتفاقيات أوسلوا والقانون الدولي العرفي. وحسبما جاء على لسان مركز أبحاث الشركات متعددة الجنسيات (SOMO)، وهو منظمة غير حكومية هولندية: «إن شركة نوبل إنرجي، ومن خلال تقاعسها عن بذل الجهود المطلوبة لضمان موافقة الفلسطينيين على استخراج الغاز من حقل نوا - المتاخم للحقل الحدودي الفلسطيني - فشلت في الالتزام بالمبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وإجراء العناية الواجبة لحقوق الإنسان من أجل تحديد الآثار الضارة بحقوق الإنسان والحيلولة دون وقوعها».
وفضلًا عما تقدم، فقد استنفدت مجموعة شركات ديليك ونوبل إنرجي عددًا من حقول الغاز الواقعة في المياه الفلسطينية شمال قطاع غزة، بما فيها ما يسمى بحقول «يام تيثيس»، التي تشير الخرائط والإحداثيات الحديثة التي قدمتها دولة فلسطين للأمين العام للأمم المتحدة، بصفته وديعًا للمعاهدات، بوضوح إلى أنها تقع في فلسطين. وفي ذلك الوقت، دعا وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني «جميع الدول والشركات والمؤسسات إلى احترام الحدود البحرية لدولة فلسطين وإلى مراجعة عقود عملياتها والامتناع عن تنفيذ أي عمل أو أنشطة داخل الحدود البحرية لدولة فلسطين، كما تحتفظ دولة فلسطين بحقها في التعويض عن استغلال مواردها الطبيعية دون وجه قانوني، وعن أي من مواردها الأخرى التي جرى استغلالها بمرور السنوات» - وذلك في إشارة واضحة إلى ما تقوم به شركة ديليك للحفر وشركة نوبل إنرجي من استنفاد احتياطيات الغاز الفلسطينية.
وجرى طمس إحداثيات منشأة ماري-بي، التي تضم حقلًا للغاز ومرفقًا التخزين يقعان على مقربة من قطاع غزة، وحقليْ نُوا وبيناكلز للغاز الطبيعي على الخرائط الواردة في المسح البيئي الرسمي الذي نشرته شركة نوبل إنرجي. وفي المقابل، تبيّن الخرائط الصادرة عن شركة ديليك للحفر هذه الحقول بوضوح، بما فيها حقل ماري-بي، حيث ينتهي وجود هذه الحقول على نحو مفاجئ عند خط مرسوم رسمًا عشوائيًا، وهو خط رسمته إسرائيل بصورة أحادية الجانب مع غياب اتفاقية دولية مع فلسطين.
وحسب الحجة التي ساقتها مؤسسة الحق من قبل، يشكّل الاستثمار في حقول الغاز التي تستحوذ إسرائيل عليها موافقة تلقائية على السياسة والممارسة اللتين تنتهجهما إسرائيل على صعيد مواصلة فرض الحصار على البحر الفلسطيني، وهو سلوك يمثل في أثناء الاحتلال الحربي مخالفة جسيمة تمسّ القانون الدولي وترقى إلى مرتبة جريمة حرب تنطوي على العقاب الجماعي. وتشكل الخطط التي تُعِدّها إسرائيل لتصدير الغاز انتهاكًا مباشرًا لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وبسط سيادتهم الدائمة على مواردهم الساحلية. فوفقًا لمدير عام مؤسسة الحق، شعوان جبارين، «مما لا شك فيه أن تصدير الغاز عبر البحر الفلسطيني من جانب الشركات الدولية التي تسعى إلى تطوير حقول الغاز الإسرائيلية يسهم في استمرار الأعمال العدائية في الأرض الفلسطينية المحتلة». وتحذّر مؤسسة الحق الشركات الإسرائيلية والدولية التي تعمل في عرض البحر قبالة ساحل غزة، بما فيها الشركات التي تشغّل خطوط الأنابيب، من مساهمتها المحتملة في إلحاق الضرر بحقوق الإنسان، وذلك بالنظر إلى أنها تباشر عملياتها دون بذل العناية الواجبة المعززة، بما تشمله من الحصول على موافقة دولة فلسطين، فضلًا عن إطلاق المشاورات مع المجتمعات المحلية الفلسطينية ونيل موافقتها.
صادرات الغاز الإسرائيلية غير القانونية عبر البحر الإقليمي الفلسطيني
في العام 2020 وحده، جنبت إسرائيل أرباحًا قدرها 151 مليون دولار من صادرات الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب الغاز الممتد شرق البحر المتوسط، والذي يمر بمحاذاة ساحل قطاع غزة المحاصر، بين عسقلان في إسرائيل والعريش في مصر. وتسيطر إسرائيل على كامل مسار خط الأنابيب من خلال فرض حصار بحري عسكري مشدد، حيث تغلق المنطقة الفلسطينية المحاذية له بشكل كامل والمنطقة الاقتصادية الخالصة - وهي مساحة من البحر يقارب مداها 200 ميل بحري - والشطر الأكبر من المياه الإقليمية التابعة لفلسطين. ويحول الجيش الإسرائيلي بين الفلسطينيين وبين الوصول إلى خطهم الساحلي ومواردهم الطبيعية، ولا يسمح بالوصول إلا إلى مساحات ضئيلة لا تكاد تُذكر ولمسافات عشوائية، عادةً ما تقل عن ستة أميال بحرية بشوط بعيد. وقد حذّر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، من أن الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة بكامله يرقى إلى مرتبة جريمة حرب قوامها العقاب الجماعي، هو ما يشكّل مخالفة للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وما يدل على أن إسرائيل تعتزم الإبقاء على نظام الفصل العنصري الذي تعتمده وشرذمة أبناء الشعب الفلسطيني و أرضهم ومواصلة حبس سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليونيْ نسمة ما أنجزته مؤخرًا من تشييد جدار إسمنتي إضافي تحت الأرض بين قطاع غزة وإسرائيل، حيث يشكل هذا الجدار جزءًا من سياج فولاذي مغلفَن يبلغ طوله 60 كيلومترًا، ويمتد في باطن الأرض وعلى سطحها، ويصل ارتفاعه إلى 20 قدمًا (نحو 7 أمتار) وتنتشر المجسّات المتطورة عليه. وقد استكملت إسرائيل العمل على تشييد هذا الجدار في نفس الأسبوع الذي أُعلن فيه التوقيع على مذكرة التفاهم بين فلسطين والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية والاتفاقية بشأن خط أنابيب حقل لوثيان بين إسرائيل ومصر.
تصاعد الهجمات على الصيادين الفلسطينيين
تنص الاتفاقية المرحلية الإسرائيلية الفلسطينية بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة، والموقعة في العام 1995، على مساحة بحرية متفق عليها وتمتد مسافة تبلغ 20 ميلًا بحريًا من خط ساحل غزة، وتخصَّص «للصيد والترفيه والأنشطة الاقتصادية».[4] وعلى الرغم من إبرام الاتفاقية المرحلية الإسرائيلية الفلسطينية، فقد دأبت إسرائيل على فرض إغلاق قاسٍ على المنطقة البحرية الفلسطينية، وقلصت الحيز البحري المخصَّص «للصيد والترفيه والأنشطة الاقتصادية» حسب أهوائها إلى مسافة لا تتجاوز ستة أميال بحرية.[5] وفي العام 2002، أسفر التدخل الذي نفذته المبعوثة الشخصية للأمين العام عن صدور «التزامات برتيني»، التي التزمت إسرائيل بموجبها بزيادة مساحة الصيد الفلسطينية إلى 12 ميلًا بحريًا.[6] وفي الواقع، لم تنفذ إسرائيل الالتزام القاضي بزيادة مساحة الصيد إلى 12 ميلًا بحريًا بموجب التزامات برتيني ولم تزِد حدود منطقة الصيد إلى المنطقة المتفق عليها والتي كانت تبلغ 20 ميلًا بحريًا. ومما تجدر الإشارة إليه أن دولة فلسطين أعلنت في العام 2019 عن منطقة اقتصادية خالصة تصل مساحتها إلى 200 ميل بحري، ولكن قوات البحرية الإسرائيلية تجوب البحر وتنفذ أعمال الدورية فيه وتهاجم الصيادين الفلسطينيين على مسافات تبلغ حتى ميل بحري واحد من الساحل.
ومنذ العام 2016، وثقت مؤسسة الحق استشهاد 11 صيادًا فلسطينيًا قبالة ساحل غزة، من بينهم ستة على يد القوات البحرية الإسرائيلية بين العامين 2017 و2018، واثنان على يد القوات البحرية المصرية في العام 2020، وثلاثة في العام 2021 في هجوم شنته طائرة مسيّرة أطلقتها جماعات مسلحة فلسطينية خلال تمرين تدريبي.
وفي يوم الجمعة، 5 آذار/مارس 2021، أطلقت القوات البحرية الإسرائيلية النار باتجاه صياديْن فلسطينييْن تعطل قاربهما وسحبهما التيار إلى حدود منطقة الصيد البالغة ستة أميال بحرية. وصرّح محمد أشرف رمضان العاوور، البالغ من العمر 23 عامًا، لمؤسسة الحق بقوله:
رأيت زورقين مطاطيين صغيرين وزورقًا حربيًا كبيرًا «طراد» تتقدم نحونا بسرعة فائقة من داخل الحدود، وقامت الزوارق الإسرائيلية بإطلاق الرصاص الحي نحو قاربنا بشكل كثيف جداً، فأصاب جنود البحرية جسم الحسكة والمحرك بعدد كبير من الرصاص الحي، وقطعت الرصاصات حبل المرساة، وصرخ الجنود علينا من مسافة قريبة جدًا تقدَّر بنحو مترين فقط، وأمرونا برفع أيدينا لأعلى تحت تهديد السلاح، ثم أمرونا بالقفز في مياه البحر فورًا، وأنا وزميلي أدهم رفعنا أيدينا لأعلى، ثم صرخنا بصوت مرتفع على الجنود، وكنا نقول لهم: «محرك الحسكة (المكينة) عطلت.. احنا صيادين وما قدرنا نسيطر على الحسكة.. ما بنقدر نقفز في البحر .. احنا ما بنعرف نسبح»، وبينما كنا نرفع أيدينا لأعلى ونقف في مقدمة الحسكة، حاصرتنا الزوارق المطاطية من جهتين، ثم أطلق جنود البحرية علينا أعيرة معدنية مغلفة بالمطاط من مسافة صفر، فأصبت بعيار في الفك الأيسر، وأصيب أدهم بعيارين في الذراع الأيمن.
بتاريخ 10 آذار/مارس 2021، وعند نحو الساعة السابعة صباحًا، طاردت الزوارق الحربية الإسرائيلية التي كانت متمركزة في عرض البحر قبالة منطقة الواحة شمال غرب بيت لاهيا في محافظة شمال غزة قوارب الصيادين، التي كانت متواجدة على مسافة تقرب من ثلاثة أميال بحرية، واستهدفت محيط هؤلاء الصيادين بنيران الأسلحة الرشاشة الثقيلة. واستمر إطلاق النار بصورة متقطعة حتى الساعة 10:30 تقريبًا من صباح اليوم نفسه، مما أجبر الصيادين على الفرار من المنطقة وترك ما اصطادوه من الأسماك في ذلك اليوم. ووثقت مؤسسة الحق أربع هجمات أخرى أطلقت فيها القوات البحرية الإسرائيلية النار على الصيادين الفلسطينيين على مسافة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أميال بحرية، وذلك في الفترة الواقعة بين يوميْ 16 و22 آذار/مارس في منطقة السودانية غرب جباليا ومنطقة الواحة شمال غرب بيت لاهيا في شمال قطاع غزة.
وفضلًا عن ذلك، تواصل إسرائيل فرض حصار بحري على المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لفلسطين. وفي شهر أيار/مايو 2010، استهدفت القوات البحرية الإسرائيلية وقتلت 10 نشطاء يعملون في المجال الإنساني وأصابت 50 آخرين بجروح على متن أسطول سفن مافي مرمرة، التي كانت تنوي كسر الحصار وتحمل على متنها مساعدات إنسانية. وفتح مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية دراسة أولية في هذا الهجوم، حيث خلص إلى وجود «سبب معقول يحمل على الاعتقاد» بأن القوات الإسرائيلية ارتكبت جرائم حرب عندما اعترضت سبيل هذا الأسطول، ولكن المكتب أغلق هذه الدراسة الأولية فيما بعد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014 بسبب عدم الوفاء بعتبة الخطورة.
اعتراض الممثلين السياسيين في قطاع غزة
مما له أهمية خاصة أن دولة فلسطين والدول الثالثة والشركات لا تملك الصلاحية التي تخوّلها إبرام اتفاقيات بشأن قطاع غزة فيما يتعلق بأرضها ومواردها الطبيعية دون الحصول على موافقة المجتمعات المحلية المعنية في القطاع والتشاور معها. يشترط إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية التشاور مع الشعوب الأصلية في أي مسائل قد تؤثر فيهم، مع مراعاة أن الغاية المتوخاة من هذه المشاورات ينبغي أن تسعى إلى الحصول على «موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة».[7] ومن الجدير بالذكر أن المواد 7، و8، و47 من اتفاقية جنيف الرابعة، تُعَدّ ملزِمة بموجب القانون الدولي العرفي، تحظر على الممثلين السياسيين للسكان المحميين الدخول في اتفاقيات خاصة من شأنها تقويض الضمانات التي تكفلها اتفاقية جنيف الرابعة، بما فيها العقاب الجماعي، والمعاملة اللاإنسانية، وحق الانتفاع من قاع البحر لتمديد خطوط الأنابيب لأغراض تحقيق مكاسب اقتصادية، وذلك باعتباره موردًا يملك السكان القابعون تحت الاحتلال حقوق السيادة الدائمة عليه.
وقد أدانت حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني اتفاقية الغاز التي أُبرمت بين السلطة الفلسطينية ومصر باعتبارها «غير قانونية». وحذّر أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي، من أنه «لا يجوز بأي حال أن تستفرد السلطة الفلسطينية برام الله، في إبرام الاتفاقيات الدولية، نيابة عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية.»[8] وبالمثل، قال الناطق الرسمي باسم حركة حماس، حازم قاسم، أن « أن من حق الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده أن يعرف كيف تتصرف السلطة في قضاياه الكبرى، لأن السوابق تؤكد أنها تتصرف بعيداً عن أدنى درجة الشفافية، وتضع مصالحها الحزبية والفئوية الضيقة كمحدد لتصرفاتها وعلاقاتها».[9]
وفي السابق، تفادت شركة نوبل إنرجي كذلك النظر في الانتهاكات التي وقعت على حقوق الإنسان الواجبة للفلسطينيين، حيث تجاهلت عن قصد وجودهم وحصرت تركيز تقييم الأثر البيئي الذي أعدّته لمنصات الغاز القريبة منهم على إسرائيل دون غيرها.[10]وعلى الرغم من أن قطاع غزة يقع على مسافة لا تتجاوز 13 ميلًا بحريًا من منصة الغاز الرئيسية التي تشغّلها شركة نوبل إنرجي في حقل ماري-بي، فإن الشركة لم تعتبر أن غزة تمثل «مجتمعًا محليًا» لغايات آليات التظلم التي تعتمدها.
وثمة مخاطر بيئية حقيقية في هذه المنطقة من البحر. فعلى سبيل المثال، تشير تقارير صحفية إلى أن القوات البحرية الإسرائيلية ربما تكون قد هاجمت ناقلة نفط تسببت في تلوث الساحل الإسرائيلي والفلسطيني برمته بكمية تبلغ 1,000 طن من النفط خلال شهر شباط/فبراير 202. وتقتضي الضرورة أن تبذل الشركات التي تشغل خط أنابيب الغاز، بما فيها شركة ديليك للحفر، ونوبل إنرجي (التي استحوذت شركة شيفرون عليها)، وشركة غاز شرق المتوسط، وشركة مرحاف، و شركة (PTT) التايلاندية، وشركة (EMI-EGI LP)، والهيئة المصرية العامة للبترول وشركة غاز الشرق، في منطقة يعصف النزاع بها قبالة ساحل غزة العناية الواجبة المعززة، بما تشمله من تيسير المشاورات مع المجتمع المحلي المعني في قطاع غزة والحصول على موافقته.
النتيجة
في ضوء إحجام إسرائيل عن الاعتراف بفلسطين، واستعمارها الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الذي تنتهجه وما تقوم به من ضم الأرض الفلسطينية المحتلة بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون واستغلال الغاز من جانب واحد على امتداد المناطق المتنازع عليها في البحر قبالة الساحل الفلسطيني والإسرائيلي، بما فيه الحقل الساحلي المتاخم، وحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى حقل غزة البحري منذ العام 1999، فمن الواضح أن «صفقة الغاز التجميلية» التي أبرمتها فلسطين مع مصر بشأن حقل غزة البحري ليست سوى غطاء لتسهيل صادرات الغاز الإسرائيلية المربحة إلى مصر والاتحاد الأوروبي عبر خطوط أنابيب يجري تشغيلها في خضمّ حصار قاسٍ يستهدف الصيادين المدنيين الفلسطينيين وسكان قطاع غزة وجميع أبناء الشعب الفلسطيني. ولهذه الأسباب، تدعو مؤسسة الحق:
- السلطة الفلسطينية وصندوق الاستثمار الفلسطيني إلى الإلغاء الفوري للاتفاقية التي أبرماها مع مصر بشأن تطوير حقل غزة البحري.
- السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي إلى إطلاق المشاورات مع الممثلين السياسيين والمجتمعات المحلية المتضررة في قطاع غزة حول المسائل المتعلقة باستغلال الغاز وتصديره بغية الحصول على موافقتهم.
- السلطة الفلسطينية إلى أن تدين علنًا استغلال بحرها الإقليمي والمتاخم والذي يرزح تحت النزاع والحصار بما يعود بالنفع على شركات خطوط الأنابيب الإسرائيلية والمصرية.
- الاتحاد الأوروبي إلى الانسحاب من أي اتفاقيات بشأن استيراد الغاز الإسرائيلي من حقل لوثيان والذي يُنقَل عبر خطوط أنابيب إلى مصر، ويقوم في أساسه على ارتكاب «انتهاكات خطيرة ومنهجية تمس حقوق الإنسان».
- شركات الغاز ومورّديه، بمن فيهم شركة ديليك للحفر، ونوبل إنرجي (التي استحوذت شركة شيفرون عليها)، وشركة غاز شرق المتوسط، وشركة مرحاف، و شركة (PTT) التايلاندية، وشركة (EMI-EGI LP)، والهيئة المصرية العامة للبترول وشركة غاز الشرق، إلى بذل المزيد من العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان وتقييم الآثار البيئية التي تشمل الآثار المباشرة على السكان المحميين في قطاع غزة المحتل.
- المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق مع الأفراد، بمن فيهم وكلاء الشركات، الذين يواصلون فرض الحصار والإغلاق، وتنفيذ أعمال القمع والعقاب الجماعي بحق السكان المحميين في قطاع غزة.
[1] وكالة أناضول، "التشريعي" بغزة: "اتفاقية الغاز" مع مصر غير قانونية" (3 مارس 2021)، متوفر على الموقع الالكتروني:
[2] وزارة البترول والثروة المعدنية، جمهورية مصر العربية، " تصريح صحفي مشترك للدكتور محمد مصطفى مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطينى وسيادة المهندس طارق الملّا وزير البترول والثروة المعدنية المصرى" (21 فبراير2021)، متوفر على الموقع الالكتروني:
https://www.petroleum.gov.eg/ar-eg/media-center/news/news-pages/Pages/mop_21022021_04.aspx
[3] Times of Israel, “Israel to build new natural gas pipeline from its offshore rig direct to Egypt” (22 February 2021), available at: https://www.timesofisrael.com/israel-to-build-new-natural-gas-pipeline-from-its-offshore-rig-direct-to-egypt/
[4] المادة 14، الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة (28 أيلول/سبتمبر 1995).
[5] M. Ali, “The Coastal Zone of Gaza Strip – Palestine Management and Problems” (11-12 March 2002) Presentation for MAMA, 12 available at:
http://overfishing.org/interesting/documents/fisheries_gaza/2002_gaza_ briefing_paper.pdf
[6] Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, “Commitments made by the Government of Israel to Ms Catherine Bertini, Personal Humanitarian Envoy to the Middle East for the Secretary-General” available at: https://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/3C484FF2A4F05BF285256D58004FF446
[7] A/HRC/EMRIP/2018/CRP.1, “Draft study on Free, Prior and Informed Consent: A human rights based approach” (5 July 2018).
[8] وكالة أناضول، "التشريعي" بغزة: "اتفاقية الغاز" مع مصر غير قانونية" (3 مارس 2021)، متوفر على الموقع الالكتروني:
[9] وكالة معا الاخبارية، "حماس: من حق شعبنا ان يعرف كيف تتصرف السلطة في قضاياه الكبرى" (24 فبراير 2021)، متوفر على الموقع الالكتروني: https://www.maannews.net/news/2033448.html
[10] Noble Energy, Tamar Expansion Project, Disclosure Summary of Environmental and Social Assessments and Conclusions (March 2015) para. 29.