في 8 فبراير 2021، أرسل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومنظمة 11.11.11، والمركز الوطني للتعاون في التنمية 11.11.11، رسالة مشتركة إلى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، لحثهم على دعم قرارات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن فلسطين– لا سيما المتعلقة بالمحاسبة ومشروع إسرائيل الاستيطاني غير الشرعي- وذلك خلال الجلسة المرتقبة للمجلس خلال الشهر الجاري.
تأتي هذه الدعوة الحقوقية المشتركة في ضوء الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة واسعة النطاق والممنهجة بحق الفلسطينيين، والتي تصل حد الجرائم الدولية، في ظل تقاعس المجتمع الدولي المستمر عن التصدي لإفلات إسرائيل من العقاب.
فمن المؤسف، أن القرارات المستندة للقانون الدولي وبشكل خاص تلك المتعلقة بالمشروع الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي، والخاصة بضمان المحاسبة عن جميع انتهاكات القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، تتلقى دعمًا متدنيًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
في الرسالة، شددت المنظمات على أهمية دعم الاتحاد الأوروبي لهذه القرارات، اتساقًا مع التزامه بالإطار القانوني الدولي والنهج القائم على حقوق الإنسان إزاء القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن دعم المحاسبة والعدالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال قرارات مجلس حقوق الإنسان يمثل استجابة لموقف الاتحاد الأوروبي الصارم بشأن المحاسبة على نطاق أوسع. كما أن دعم قرار التسوية من شأنه تعزيز الموقف العلني والمبدئي والطويل الأمد للاتحاد الأوروبي إزاء عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي العمل على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في فلسطين المحتلة، بما يتوافق مع مسئوليتها كدول أعضاء منتخبة في مجلس حقوق الإنسان.
نص الرسالة:
8 فبراير 2021
أصحاب السعادة:
قبل انعقاد الجلسة الـ 46 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة؛ تحثكم المنظمات الموقعة أدناه، باعتباركم دولة عضو في الأمم المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي، على دعم القرارات التي تستهدف معالجة الوضع المزري الذي يزداد سوءًا للشعب الفلسطيني، لا سيما أولئك الذين يعيشون في الأرض الفلسطينية المحتلة.
تتناول القرارات قضايا المحاسبة وحقوق الإنسان والمستوطنات الإسرائيلية، والحق في تقرير المصير، إذ ثمة حاجة ماسة للعدالة والمحاسبة على الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية واسعة النطاق، والتي تصل حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما يشجع الإفلات غير المشروط من العقاب الذي يمنحه المجتمع الدولي لإسرائيل على التمادي فيها.
حتى أثناء تفشي جائحة عالمية، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الفلسطينيين، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة، وقتل الفلسطينيين خارج نطاق القانون، ومواصلة الإغلاق غير القانوني لقطاع غزة. كما تواصل إسرائيل تصعيدها لعمليات الهدم غير القانونية لمنازل وممتلكات الفلسطينيين، والتي بلغت أعلى مستوياتها منذ أربع سنوات؛[i]بهدف مواصلة تغيير الواقع الديمغرافي على الأرض، وتوسيع المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.[ii]
خلال العقود الماضية، تبنّت الأمم المتحدة العديد من القرارات وشكلت 10 آليات للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية واسعة النطاق في الأرض الفلسطينية المحتلة.[iii] ووفقًا لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، نفذت إسرائيل 0.4% من أصل 551 توصية ذات صلة أصدرتها آليات مجلس حقوق الإنسان منذ 2009.[iv]
في الآونة الأخيرة، حثت لجنة التحقيق الأممية، التي تشكلت في 2018 بشأن الاحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة،[v] إسرائيل والمفوضية السامية والدول الأعضاء بالأمم المتحدة على ضمان المحاسبة والتعويضات عن الانتهاكات بحق الفلسطينيين. كما حثت لجنة التحقيق إسرائيل على الرفع الفوري للإغلاق والحصار غير القانونيين المفروضين على قطاع غزة، والذين يصلا حد العقاب الجماعي.
وفي إطار المتابعة، دعا قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 40/13 (2019)، الذي تم تبنيه رغم الدعم الأوروبي الضعيف،[vi]كافة الدول الأعضاء إلى تعزيز الامتثال للقانون الدولي، وضمان احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، والوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعقوبات الجزائية والخروقات الجسيمة. ولكن، ولسوء الحظ، أخفقت الدول الأعضاء في تنفيذ هذا القرار وتوصيات لجنة التحقيق، بما في ذلك التوصية الخاصة بتنفيذ الولاية القضائية الجنائية، وفرض عقوبات وحظر السفر بحق الجناة. وحتى يومنا هذا، لا تزال غزة معزولة تمامًا في ظل إغلاق وحصار وحشي جوي وبري وبحري، تفرضه إسرائيل منذ 14 عامًا تقريبًا. لقد أدى الحصار إلى حرمان مليوني فلسطينيًا في غزة من الحقوق والحريات الأساسية؛ الأمر الذي له آثاره المدمرة على جميع مناحي الحياة. وعواقبه الوخيمة وغير الإنسانية.
من جانبها تستمر إسرائيل في توسيع مشروعها الاستيطاني غير القانوني بشكل تصاعدي، بالتزامن مع تصعيدها عمليات هدم منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم؛ مما يؤدي لزيادة ترسيخ ضمها الفعلي للضفة الغربية.
لقد أسفر تقاعس المجتمع الدولي واستمرار إخفاقه في محاسبة إسرائيل، لا سيما على الضم غير القانوني للقدس الشرقية والجولان السوري، عن تمكين إسرائيل في المضي قدمًا وبلا هوادة في مشروعها الاستعماري الاستيطاني. ورغم أن مختلف قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، قد أعادت التأكيد على عدم شرعية المستوطنات وعدم الاعتراف بالضم الإسرائيلي للأراضي المحتلة؛ إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ أي تدابير لإجبار إسرائيل على إنهاء ممارساتها غير القانونية.
في عام 2014، صوتت 46 دولة من أصل 47 دولة عضو في الأمم المتحدة لصالح قرار التسوية رقم 25/28 (2014) في مجلس حقوق الإنسان.[vii] ومع ذلك، فقد تضاءل دعم الاتحاد الأوروبي لقرار التسوية منذ ذلك الحين. وفيما حث القرار رقم 25/28 (2014) جميع الدول على ضمان عدم اتخاذ أي إجراءات تساعد في توسيع المستوطنات، وتنفيذ مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة، وتوفير المعلومات للأفراد والشركات بشأن التداعيات الحقوقية والقانونية لممارسة الأنشطة الاقتصادية مع المشروع الاستيطاني. ومع ذلك، كشف إصدار قاعدة بيانات الأمم المتحدة لعام 2020 بشأن الشركات المتورطة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي، عن التواطؤ المستمر للشركات الإسرائيلية والمتعددة الجنسيات والأوروبية في المساهمة في المستوطنات والعمل داخلها.
أصحاب السعادة،
إن الحل المستدام لقضية فلسطين ينبغي أن يستند لمبادئ القانون الدولي والمحاسبة والعدالة. ومن ثم، فإنه من الضروري أن يدعم المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، الجهود المبذولة لضمان المحاسبة في فلسطين، دون مزيد من التأجيل. ولعل من بين الوسائل التي يمكن من خلالها بلوغ هذا الهدف، التصويت لصالح القرارات ذات الصلة بشأن المحاسبة والمستوطنات الإسرائيلية في الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان، وتشجيع الدول الأعضاء على المشاركة في التصويت. إذ يجب على الدول، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، الامتناع عن عرقلة أي قرار يسعى لمواجهة الإفلات من العقاب وتوسع المستوطنات غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال إطار يتوافق مع القانون الدولي.
واتساقًا مع التزام الاتحاد الأوروبي المتكرر بالإطار القانوني الدولي والنهج القائم على حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ فإن استئناف الدعم الأوروبي لقرار التسوية يعد إجراء ضروري، يمكن اتخاذه تماشيًا مع تصريحات الاتحاد الأوروبي وموقفه الراسخ، والذي يؤكد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية. إن دعم وحماية ولاية مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في التحديث السنوي لقاعدة بيانات الأمم المتحدة بشأن الشركات المتورطة في العمل داخل المستوطنات غير القانونية، هو أمر حاسم.
في الوقت نفسه، قد يُكمل التصويت على قرار يضمن المحاسبة في مجلس حقوق الإنسان موقف الاتحاد الأوروبي الراسخ في دعم المحاسبة، ويغدو بمثابة خطوة أولى أساسية نحو معالجة إفلات إسرائيل المنهجي من العقاب، لضمان عدم تكرار الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتماد تدابير فعالة بما يضمن محاسبة الجناة.
لكم منا وافر الشكر والتقدير،
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
- مؤسسة الحق
- مركز الميزان لحقوق الإنسان
- 11.11.11
- المركز الوطني للتعاون في التنمية، 11.11.11
[i] انظر على سبيل المثال، بتسيلم: بالذّات في فترة تفشّي وباء الكورونا: إسرائيل تصعّد في هدم منازل الفلسطينيّين وتشريدهم فتحطم رقمها القياسي الذي حققته قبل أربع سنوات، 4 نوفمبر 2020، متاح على الرابط:
https://www.btselem.org/arabic/press_releases/20201104_number_of_palestinians_israel_left_homeless_hits_four_year_record_in_pandemic.
[ii] بين مارس 2020 ويناير 2021، هدمت إسرائيل 470 مبنى، بينها 211 مبنى سكنيًا، 166 منها مأهولة؛ ما أدى إلى تهجير 811 فلسطينيًا بينهم 382 طفلاً. راجع مؤسسة الحق: "النداء العاجل المشترك لإجراءات الأمم المتحدة الخاصة بشأن استمرار إسرائيل في عمليات الهدم وسط جائحة عالمية"، 25 يناير 2021، متاح على:https://www.alhaq.org/cached_uploads/download/2021/01/25/210125-joint-urgent-appeal-on-israels-continued-demolitions-amidst-a-global-pandemic-25-01-2021-1611570818.pdf.
[iii] يُعزى ذلك إلى حد كبير إلى إخفاق إسرائيل المتعمد في توفير سبل الانتصاف للفلسطينيين من خلال آلياتها القضائية. انظر: https://www.ohchr.org/EN/HRBodies/HRC/RegularSessions/Session40/Documents/A_HRC_40_74_CRP2.pdf
[iv] تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول ضمان العدالة والمحاسبة على كافة انتهاكات القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية: مراجعة شاملة لحالة التوصيات الموجهة إلى جميع الأطراف منذ عام 2009، يونية 2017، متاح على الرابط: https://undocs.org/en/A/HRC/35/19.
[v] تشكلت لجنة التحقيق في سياق احتجاجات مسيرة العودة الكبرى، إذ قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 214 فلسطينيًا، بينهم 46 طفلاً، وإصابة أكثر من 36000 فلسطينيًا. للاطلاع: https://www.un.org/unispal/document/two-years-on-people-injured-and-traumatized-during-the-great-march-of-return-are-still-struggling/.
[vi] كانت إسبانيا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي صوتت لصالح القرار، وامتنعت إيطاليا والمملكة المتحدة (آنذاك) وآيسلندا عن التصويت، وصوتت النمسا والتشيك والمجر وبلغاريا ضده.
[vii] من الاتحاد الأوروبي صوتت النمسا والتشيك وإستونيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا والمملكة المتحدة (في ذاك الوقت) لصالح القرار. وصوتت الولايات المتحدة ضده.