مقدمة
- تتابع مؤسسة الحق بقلق التطورات الأخيرة المواكبة لقطاع العدالة وبخاصة في السلطة القضائية، والتي تمثلت بإصدار الرئيس الفلسطيني بتاريخ 30 تشرين الثاني 2020 ثلاثة قرارات بقانون نشرت في الجريدة الرسمية الفلسطينية "الوقائع" يوم الأثنين الموافق 11 كانون الثاني 2020 في العدد الممتاز رقم (22) والمتمثلة بقرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، ومن ثم إصدار مرسوم رئاسي بتعيين مجلس قضاء أعلى دائم مساء يوم الثلاثاء الموافق 12 كانون الثاني 2021 وذلك بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي المشكل بموجب القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019، خلافاً لأحكام القانون الأساسي وتأثيرهم على مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون والفصل بين السلطات.
- لقد حذرت مؤسسة الحق منذ اللحظة الأولى التي جرى فيها الاعتداء على قانون السلطة القضائية من خلال إصدار الرئيس محمود عباس بتاريخ 15 تموز 2017قرارين بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي من تداعياتهما وتأثيرهما السلبي على مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وما أدل على ذلك سلوك المجلس الانتقالي خلال فترة توليه عمله، فقد غلب عليه حالة التخبط، وفقدان الرؤية، وعدم وجود خطة واضحة المعالم للنهوض بالقضاء. حينما انصبت جهوده على تعزيز روح الانتقام في صفوف القضاة، وأصبحت صلاحيات الندب والعزل والإعارة، والاحالة على التقاعد سيفاً مسلطاً على رقاب القضاة، مما أدخل في نفوسهم الخوف، والترهيب من احالتهم للتفتيش القضائي دون مسوغ قانوني، وما تبع ذلك من سياسة الانتقام التي انتهجها المجلس الانتقالي ضد القضاة بتنسيب لندب عشرات القضاة للمؤسسات الرسمية الأخرى خلافاً للقانون والأصول الواجب اتباعها
- لقد انضوى المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 12 كانون الثاني 2021 بشأن تشكيل مجلس القضاء الأعلى وتعين رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي رئيساً للمحكمة العليا بعد يوم واحد من نشر القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 المعدل لقانون السلطة على انتهاك صارخ لمبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون والفصل بين السلطات وعبر عن تضارب مصالح خطير، من خلال استثناء رئيس المحكمة العليا من سن التقاعد الوراد في قانون السلطة القضائية لسنة 2002، مما أتاح لرئيس المجلس الانتقالي معاودة تنسيبه مرة أخرى لرئاسة المحكمة العليا والمجلس الدائم، بتنسيب مشروع قرار بقانون معدل لقانون السلطة القضائية من ذات الجهة التي تطبق القانون في سابقة خطيرة تهدم أسس النهج الديمقراطي السليم القائم على مبدأ الفصل بين السلطات وقيام الجهة التي يخصها القانون بوضع قانون يلبي مصالحها على حساب مبدأ سيادة القانون وهدر مبدأ النزاهة والشفافية كأساس للحكم الصالح.
- لم يشكل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 عائقاً أو خللاً في نهوض القضاء الفلسطيني وتطوره يوماً ما، بل شكلت تدخلات السلطة التنفيذية في الشأن القضائي، السبب الرئيسي لما آلت اليه أوضاع القضاء وانهيار ثقة المواطنين به؛ وذلك من خلال انتهاك مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، حيث جرى تشكيل المجالس القضائية المتعاقبة خلافاً لقانون السلطة القضائية، كما جرى تعيين رؤساء المحاكم العليا والمجلس القضائي خلافاً لأحكام قانون السلطة القضائية، وارغام رؤساء مجالس القضاء على التوقيع على استقالاتهم المسبقة قبل توليهم منصبهم خلافاً لقانون السلطة القضائية، كما جرى ندب للقضاة خارج القضاء؛ وإحالة آخرين للتقاعد المبكر؛ ومنهم للتحقيق على خلفية حرية الرأي والتعبير؛ وكذلك تم تعيين قضاة ونقلهم خلافاً لأحكام قانون السلطة القضائية؛ وفي اتجاه مشابه لم تحترم السلطة التنفيذية اختصاصها بتنفيذ قرارات القضاء خلافاً لأحكام قانون السلطة القضائية، بما يؤكد بأن الانهيار الذي أصاب السلطة القضائية مرده تغول السلطة التنفيذية على القضاء، وانتهاك مبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، وليس قانون السلطة القضائية.
- إن توقيت صدور القرارات بقانون المشار لها قبل أيام من صدور مرسوم الدعوة للانتخابات يثير العديد من التساؤلات بشأن مغزاها، وبخاصة أن كافة مؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين والمختصين بالشأن القانوني، دعوا وفي أكثر من مناسبة إلى عدم تعديل قانون السلطة القضائية باعتباره من القوانين السيادية الذي ينظم أحد السلطات الثلاث، وأن تعديل قانون السلطة القضائية يتطلب وجود برلمان منتخب يمارس صلاحياته التشريعية والرقابية بما يحدث توازن بين السلطات الثلاثة ويحترم مبدأ الفصل بين السلطات بما يكفل استقلال السلطة القضائية كضمان للنظام السياسي وحامي للحقوق والحريات، وحيث أن مرسوم الدعوة للانتخابات قد حدد تاريخ 22 أيار 2021 موعداً للانتخابات التشريعية، فهذا يعني أن شهر آذار من العام 2021 سيشهد ولادة برلمان فلسطيني له الحق في إلغاء كافة القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس، مما يعني أن القرارات بقانون المشار لها من الممكن أن تكون محل إلغاء من قبل المجلس التشريعي، مما يجعل صدورها في هذا التوقيت أمراً يثير الاستغراب.
- إن إجراء تعديلات على قانون السلطة القضائية لسنة 2002 وقانون تشكيل المحاكم النظامية الصادرة عن السلطة التشريعية المنتخبة صاحبة الاختصاص الأصيل بتني تشريعات وطنية استناداً لأحكام المادة (47) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، من خلال إعمال صلاحيات الرئيس الفلسطيني الاستثنائية في إصدار قرارات بقوانين في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير، وفي غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، وفقاً للضوابط الدستورية المحددة في المادة (43) من القانون الأساسي المعدل لا تنطبق على السياق العام المستدعي لهذا التعديل الاستثنائي؛ فلا يوجد أي مبرر يحتم صفة الاستعجال لتبني قرار بقانون معدل لتنظيم السلطة القضائية وتشكيلها آلية عملها القضائي، ومستحدثاً بموجبه القضاء الإداري، طالما أن الخلافات القائمة حوله ممتدة منذ عدة سنوات، وأن مضمون تلك القرارات يتعلق بأحد السلطات الأساسية في الدولة المتمثلة بالسلطة القضائية، ولا سيما بأن الحالة الفلسطينية مقبلة على انتخابات تشريعية يترتب عليها تشكيل مجلس تشريعي يمتلك الاختصاص الأصيل بإصدار مثل هذه القوانين.
- إن الإرباك التشريعي المترتب بموجب تعديل قانون ينظم عمل أحد سلطات الدولة الأساسية بموجب قرار بقانون، يجسد هيمنة السلطة التنفيذية على الدور التشريعي بل ويشكل اعتداء على أعمال السلطة القضائية واستقلاليتها، وبدوره يعطل مبدأ الفصل بين السلطات القائم عليه النظام الدستوري الفلسطيني، حيث استهلت المادة (2) من القانون الأساسي المعدل بالنص على "الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي".
- إن التعديلات التي تضمنتها القرارات بقانون تحمل في طياتها مخالفة صريحة للمبادئ والأحكام الدستورية التي تضمن مبدأ استقلال القاضي في أداء مهامه الوظيفية، حيث نصت المادة (98) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل على: "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو شؤون العدالة". وكذلك كافة المعايير والمبادئ الدولية ذات العلاقة التي تنظم عملية التقاضي واحترام مبدأ سيادة القانون، وما يتبعها من إعلاء مبدأ استقلال القضاة في ممارسة مهامهم، والتوصيات الصادرة من المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة. نستعرضها فيما يلي بشكل مفصل من الناحيتين الإجرائية والموضوعية
أولاً: انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية
- استند القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (40) لسنة 2020 على توصيات اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة، وهي اللجنة التي جرى وقف أعمالها وكافة الآثار الناجمة عنها بموجب قرار قضائي صادر عن محكمة العدل العليا رقم (333/2018) بتاريخ 16 أيلول 2018، لذلك يتعين احترام قرار المحكمة باعتباره واجب النفاذ بموجب القانون الأساسي الفلسطيني للعام 2003 وقانون السلطة القضائية للعام 2002.
- شكل القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية انتهاك جسيم لمبادئ القانون الأساسي الذي أكد في مقدمته على "لقد قرر هذا القانون الأساسي الأسس الثابتة التي تمثل الوجدان الجماعي لشعبنا، بمكوناته الروحية، وعقيدته الوطنية، وانتمائه القومي، كما اشتمل في أبوابه على مجموعة من القواعد والأصول الدستورية المتطـورة، سواء فيما يتصل بضمان الحقوق والحريات العامة والشخصية على اختلافها بما يحقق العدل والمساواة للجميع دون تمييز، أو فيما يخص مبدأ سيادة القانون، وتحقيق التوازن بين السلطات، مع توضيح الحدود الفاصلة بين اختصاصات كل منها، بحيث تكفل لها الاستقلالية من ناحية، والتكامل في الأداء من ناحية أخرى، وذلك في سبيل المصلحة الوطنية العليا التي هي رائد الجميع"، وبذلك يكون تعديل قانون السلطة القضائية من خلال قرار بقانون إنما هو خروج عن إرادة المشرع الدستوري الذي حرص على مبدأ الفصل بين السلطات كممر إلزامي لاستقلالية كل سلطة من السلطات الثلاث وتحقيق التوازن بينها في ظل نظام ديمقراطي.
- أوغل القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية في هدم ما تبقى من استقلال السلطة القضائية، بما تضمنه من تعديلات يجعل من استقلال القضاة أمراً مستحيل التحقق، ويجعل رئيس المجلس القضائي غير قادر على مواجهة تدخل السلطة التنفيذية صاحبة الفضل في وجوده بذلك المنصب، فالاستقلالية القضائية مطلب أساسي لحكم القانون، وهي مبدأ جوهري لضمان المحاكمات العادلة، وبهذا التدخل يكون هدر وهدم للاستقلالية القضائية على الصعيدين الفردي والمؤسسي، فالاستقلال القضائي ليس امتيازاً أو حقاً مقصوراُ على القضاة، بل هو مسؤولية مفروضة عليهم لتمكنهم من القيام بواجباتهم القضائية بكل حيادية واستقلال عن أي تأثير خارجي أو داخلي من جهات القضاء العليا، ويعد من أهم شروط الاستقلال القضائي أسلوب تعيين القضاة، وشروط تعيينهم، وطرق عزلهم، ولعل الاستقلال المؤسسي للسلطة القضائية هو من أبرز مظاهر استقلال القضاء، إلا أن علاقات السلطة القضائية بالسلطات الأخرى لا يجب أن يتعارض مع مفهوم استقلال القضاء، لا أن يكون هناك ارتهان للوظائف القضائية للسلطة التنفيذية تبقيهم قيد ارادتها متى شاءت، كما هو الحال في تقديم الاستقالات المسبقة قبل تولي المنصب القضائي، أو تنسيب أشخاص محددين لشغل المنصب القضائي لتكون حرية الاختيار للسلطة التنفيذية.
- تجاوزت القرارات بقانون لجهة صدورها من قبل السلطة التنفيذية كافة المعايير الدولية الداعية لاحترام مبدأ استقلال السلطة القضائية، حيث أكدت المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية في المبدأ رقم (1) على " تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية"،[1] وقد أشارت أيضاً لجنة حقوق الإنسان إلى مبدأ الفصل بين السلطات عندما لاحظت أن عدم الوضوح في تعيين الحدود الفاصلة بين اختصاصات كل من السلطة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية،[2] قد يهدد تحقيق سيادة القانون وتطبيق سياسة محترمة لحقوق الإنسان. وقد أوصت اللجنة بأنه على الدول تبني تشريعات وتدابير تضمن الفصل الواضح بين السلطتين التنفيذية والقضائية لتجنب تدخل الأولى في شؤون القضاء ومسؤولياته. [3]
- شكل القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية من خلال تعديل آلية تعيين رئيس المحكمة العليا والتي كانت قبل التعديل هي استحقاق قانوني يجري بحكم القانون بأن يعين في هذا المنصب من هو أقدم قضاة المحكمة العليا، بحيث يكون قرار رئيس السلطة التنفيذية هو قرار كاشف من خلال تعيين من هو أقدم قضاة المحكمة العليا رئيساً للمحكمة العليا وتبعاً لذلك رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، إلا أن التعديل جرى وفق ما أنبأت عنه نصوص القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية من خلال قيام المجلس القضائي بترشيح عدد من الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط التعيين في المحكمة العليا بغض النظر إذا صنفوا من قضاة المحكمة العليا أم من خارجها، إن هذا التعديل يتجاوز استحقاق قانوني بموجب قانون السلطة القضائية لسنة 2002 حيث لم يجر احترام هذا القانون عبر تعيين رؤساء المحكمة العليا السابقين، مما يتيح للسلطة التنفيذية أن تقرر من يتولى هذا النصب أهمية الكبرى، بما يفقد هذا المنصب استقلاليته ويجعل من يتولاه تحت تأثير السلطة التنفيذية التي اختارته، فقد يكون من المرشحين للمنصب من عمل في المحاماة لمدة عشرين عاماً وكما هو معلوم فالعمل في المحاماة لا يفرض قيود على المحامي كتلك المفروضة على القضاة بشأن العمل السياسي وانتماءه الحزبي وغيرها من القيود مما يجعل تنسيب أعضاء من خارج المحكمة العليا لمنصب رئيس المحكمة العليا هو أمر مفترض وبالإمكان ترشيح من هم مواليين للسلطة التنفيذية ومن أنصارها السياسيين، بما يجعل اعتبارات الاختيار ليست مبنية على القدرة والكفاءة بل بالإمكان أن تكون الاعتبارات السياسية هي سيدة الموقف، ويؤثر على استقلالية التعيين في القضاء خلافاً للمبادئ والقيم الناظمة لاستقلال السلطة القضائية.
ثانياً: التمييز وعدم المساواة في تولي المناصب القضائية
- عزز القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية من شرط السلامة الأمنية لمن يتولى القضاء، فقد شهدت السنوات الأخيرة العمل بشرط السلامة الأمنية لمن يتقدم لشغل الوظائف العامة والوظيفة القضائية بحيث جرى استبعاد عدد ممن تقدم لشغل الوظيفة القضائية بعد استكمالهم لمتطلباتها من مسابقة كتابية ومقابلات شخصية، إلا أنه تعذر تعيينهم لرفضهم من الأجهزة الأمنية؛ حيث وثقت "الحق" عدم تعيين شخصين تقدما للوظيفة القضائية وجرى تنسيبهم من المجلس الانتقالي لتعينهم من الرئيس بسبب رفض الأجهزة الأمنية تعيينهم، وذلك من خلال تعديل المادة (16) من القرار بقانون المذكور بإضافة فقرة ثانية والتي تضمنت "على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، لا يجوز تعيين أي شخص في وظيفة قاضٍ إلا بعد التحقق من كفاءته وحسن خلقه وصلاحيته للوظيفة القضائية، إضافة لما كان معمول به في القانون السلطة القضائية قبل التعديل بضرورة أن يكون المتقدم للوظيفة القضائية محمود السيرة وحسن السمعة، مما يجعل التعيين في الوظيفة القضائية مبني على تمييز ين المتقدمين لشغل تلك الوظائف، وينتهك مبدأ المساواة أمام القانون ويؤثر على استقلال وحيادة القضاة، ويخالف المبادئ الأساسية الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية التي أكدت على أنه لا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي.
- تضمن القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية استثناء رئيس المحكمة العليا من سن التقاعد المنصوص عليه في قانون السلطة القضائية لسنة 2002، وبذلك يكون قد حمل القرار بقانون تمييز واضح وصريح اتجاه القضاة، حيث سمح بتعيين رئيس المحكمة العليا دون تحديد سن معين له، في حين أبقى على سن السبعين للإحالة للتقاعد لباقي القضاة، وبذلك يبقى رئيس المحكمة العليا في منصبه حتى بعد بلوغ سن السبعين في حال لم يبلغ سن السبعين عند تعيينه، وبذلك يخالف هذا النص القانون الأساسي الفلسطيني وبخاصة المادة (9) منه والتي أكدت على أن كافة المواطنين سواء أمام القانون، فضلاً عن تضارب المصالح الذي حمله هذا التعديل والذي تمثل في اجراءه من قبل رئيس المجلس الانتقالي الذي عدله لكي يتواءم مع عمره الذي تجاوز سن التقاعد المحدد في القانون الأصلي. إن هذا التعديل يشكل انتهاكاً صريحاً للمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي أكدت في المبدأ رقم (10) على "وجوب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة. على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة".[4]
- اشتمل كل من القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية رقم (40) لسنة 2020 والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية على تمييز غير مسبوق اتجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك من خلال وجوب أن تتوفر في المتقدم لشغل الوظيفة القضائية الشروط الصحية للتعين، بما ينافي القانون الأساسي الفلسطيني الذي أكد في المادة (9) منه على أن الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة. كما يتعارض مع قانون المعوقين الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999 والذي أكد على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بذات الحقوق التي للآخرين دون تمييز على أساس الإعاقة، كما ينتهك هذا التعديل التزامات دولة فلسطين بموجب الانضمام لاتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة والتي أكدت على حظر التمييز على أساس الإعاقة بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم الوظيفي، وظروف العمل الآمنة والصحية.
- تضمن كل من القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية والقرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية تميزاً بيناً في الحقوق المالية والتقاعدية بين القضاة بخصوص الحقوق التقاعدية بين رئيس المحكمة العليا وباقي القضاة، حيث جعل احتساب الراتب التقاعدي لرئيس المحكمة العليا بنسبة 15 % عن كل سنة قضاها في الخدمة على أن لا تقل عن 50% ولا تزيد عن 70% في حين تكون نسبة القضاة الاخرين عن سنوات الخدمة 2% وفق قانون التقاعد العام، وهذا ينطبق كذلك على قضاة المحاكم الإدارية بموجب القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 وفق المادة (57) منه.
ثالثاً: غياب الشفافية والنزاهة في تعيين القضاة بما يؤثر على استقلال القضاة وحيادهم
- تضمن القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية تعديلا خطيرا يمس استقلال السلطة القضائية المؤسسي والفردي وذلك من خلال تعديل إجراءات اختيار رئيس المحكمة العليا، وذلك باستثنائه من سن التقاعد، ومن تنسيب أكثر من قاض لتولي هذا المنصب وترك الاختيار لرئيس السلطة التنفيذية، ويعد هذا التعديل من أخطر التعديلات على قانون السلطة القضائية لما يمس استقلالها المؤسسي من حيث منح السلطة التنفيذية حق الاختيار بين القضاة لتولي هذا المنصب بما يؤثر على استقلالهم الفردي وحيادهم وبالنتيجة يؤثر على الاستقلال المؤسسي للإدارة القضائية التي ستبقى مرتهنة للسلطة التنفيذية صاحبة التعيين.
- تضمن القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية، وضع القضاة المعينين حديثاً في فترة تجربة تمتد لثلاث سنوات على أن يسري هذا التعديل بأثر رجعي على القضاة الذين جرى تعيينهم قبل صدور التعديل، ويعد هذا الاجراء من الخطورة بمكان من حيث جعل القضاة المعينين حديثاً تحت خوف إنهاء خدماتهم في القضاء لأسباب تتعلق بعدم الكفاءة وعدم اللياقة الشخصية أو الخلقية وفي ذلك سلطة مطلقة للمجلس القضائي، ولم يتضمن التعديل أية إشارة لماهية اللياقة الشخصية أو الخلقية. وتزداد خطورة هذا الإجراء كونه ينطبق على من يعين في الدرجات القضائية من محاكم الصلح والتي تنظر في بالعديد من القضايا المرتبطة بشكل مباشر بحقوق الأفراد وحرياتهم بما في ذلك طلبات تمديد التوقيف بما يجعل القضاة الحديثين تحت تأثير الإدارة القضائية والتأثيرات الخارجية بما يفقدهم استقلالهم وحيادهم ويهدر حقوق وحريات المواطنين.
- تضمن القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية في المادة (6) منه تعديل المادة (18) من القانون الأصلي وذلك بالسماح بتعيين من يعملون في المجال القانوني من مؤسسات الدولة، مع الحاقها بعبارة التي تعتبر نظيرة للعمل القضائي، ويسمح هذا التعديل بدخول كل من يعمل في المجال القانوني في الدوائر الحكومية والأجهزة الأمنية في الوظائف القضائية، وارتباط هذا التعديل بإلغاء المادة (19) من القانون الأصلي واستبدلها بمادة جديدة تمنح المجلس القضائي سلطة وضع القواعد العامة لمدد ونوع الخبرات الإضافية اللازمة للتعيين في كل درجة من درجات القضاء، والأعمال الأخرى التي يعتبرها نظيرة للعمل القضائي، ولعل الغاء معايير تولي القضاة لمختلف درجات المحاكم ومنح المجلس القضائي هذه الصلاحية سيؤثر بشكل كبير على حياد القضاة وخضوعهم للتأثيرات الداخلية من قبل الإدارة القضائية بما يؤثر على استقلالهم وحيادهم، وبخاصة أن القانون الأصلي قد حدد مدد زمنية للجلوس في منصب القضاء لتولي رئاسة محاكم الاستئناف بما يؤثر على القضاة الذين لديهم هذه لمعايير وسيخضعون لإجراءات جديدة تؤثر بمراكزهم القانونية الثابتة بما يمس أمنهم الوظيفي وحقهم في الترقية.
- تضمن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائي في المادة (5) شروط إضافية لمن يعين بمجال العمل القضائي، والتي بدورها تشكل مساس مباشر في استقلالية القاضي باتخاذ قراراته، بالنص على: "لا يجوز تعيين أي شخص في وظيفة قاض إلا بعد التحقق من كفاءته وحسن خلقه وصلاحيته للوظيفة القضائية"، وبالتالي لم يتم الاكتفاء بالشروط العامة لإشغال الوظيفة القضائية، بل تخضع عملية التعيين لمعيار شخصي دون الاحتكام لضوابط معينة تحدد المقصود بالكفاءة والصلاحية، وكذلك الجهة المختصة بتقرير ذلك. بما يخالف المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية وبخاصة المبدأ رقم (10) الذي أكد على "يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوي النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة. على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة. ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز". وكذلك تخالف توجهات المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحاميين، حيث جاء ضمن أحدث تقارير الصادرة بتاريخ 17 تموز 2021، في البند (99)، النص على ما يلي: "يجب على الدول أن تتخذ جميع التدابير المناسبة لحماية وتعزيز استقلال السلطة القضائية على الصعيدين الفردي والمؤسسي، وتستوجب المحافظة على استقلال القضاة حماية مركزهم بشكل مناسب بنص القانون، بما في ذلك مدة خدمتهم واستقلالهم وآمنهم وكفاية أجورهم وشروط خدمتهم ومعاشهم وسن تقاعدهم".
- تضمن القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية طرق تعيين قضاة المحاكم الإدارية للمرة الأولى من قبل السلطة التنفيذية، ويعد تعيين القضاة في المحاكم الإدارية من السلطة التنفيذية مخالف كافة المعاير الخاصة بتعيين القضاة وبخاصة المبادئ الأساسية الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية، ولا سيما أن القضاء الإداري يشكل أهم الاليات الوطنية لضمان احترام الحقوق والحريات كونه ينظر في كافة الطعون في مواجهة الإدارة والسلطة التنفيذية، وبذلك فإن تعيين قضاة المحاكم الإدارية من السلطة التنفيذية يهدد استقلال المحاكم الإدارية بما يكفل حيادها في النظر في الطعون المنظورة أمامها.
رابعاً: انتهاكات جسيمة لمبدأ عدم قابلية القضاة للعزل
- أفرط القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية والقرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية في انتهاك مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل والذي يعتبر مبدأ دستوري استقرت عليه غالبية الدساتير في النظم الديمقراطية، ومؤدى هذا المبدأ إلى عدم جعل سلطة عزل القضاة تحت مسميات مختلفة من ندب واعارة واحالة على التقاعد المبكر والاحالة على الاستيداع بيد السلطة التنفيذية أو الإدارة القضائية الغير مستقلة مؤسسياً، تستخدمه كوسيلة للتهديد أو التأثير في سير العدالة ونزاهة الاحكام القضائية، بما يجعل القضاة يعيشون تحت سيف العزل بطرق مختلفة، وينعكس سلبا على أدائهم سواء بموالاة السلطة التنفيذية ومجاراتها بغير حق، أو ترهيباً من قبل الإدارة القضائية غير المستقلة خوفاً من العزل، مما يجعلهم يحيدون عن الحق والنطق به، وغير مستقلين في جلوسهم على مقعد القضاء فيميلون عن الحق بما يهدر حقوق المتقاضين وثقتهم بالقضاء والعدل. إن تحقيق هذا المبدأ لا يعفي القضاة من المساءلة التأديبية، لكن ينبغي الاحتكام في مساءلتها لضمانات المحاكمة العادلة التي تتوافر فيها كافة عناصر النزاهة والاستقلالية والحياد وحق الدفاع للقضاة.
- لطالما أكدت "الحق" على أن قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 يعد من القوانين المتقدمة في المنطقة العربية وأن التطبيق الأمين لأحكامه قادر على ضمان استقلال القضاء والنهوض به، لما فيه من ضمانات حقيقية لاستقلال القضاء، وبخاصة فيما يتعلق بالاستقلال الفردي، نجد أن التعديلات التي أدخلت عليه نالت من هذا الاستقلال ومنها النصوص المتعلقة بندب القضاة للعمل في غير المناصب القضائية والجلوس على منصة الحكم، فالمادة (23) من قانون السلطة القضائية للعام 2002 التي كانت تنص على وجوب تحقق مجموعة من العناصر لندب القضاة للعمل خارج القضاء، ومنها وجود مصلحة وطنية بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، إلا أنه جرى تعديلها بأن يتم الندب ابتداء بقرار من مجلس القضاء الأعلى أو بمبادرة من المجلس أو بناء على طلب من وزير العدل، وبهذا التعديل يكون مجلس القضاء له الصلاحية في ندب القضاة لغير سلك القضاة بمبادرة من المجلس وبقرار من المجلس أو بناء على طلب وزير العدل، وبذلك يكون ما قام به المجلس الانتقالي من ندب للقضاة خلافاً للقانون السلطة القضائية وما افصح عنه قرار الندب المشار له أنه لم يكن يتوخى المصلحة الوطنية ولم يكن بناء على طلب وزير العدل في حينه، وبذلك يكون التعديل سيف مسلط على رقاب القضاة، بحيث يكون الندب هو من أحد أدوات التأثير على القضاة يحد من استقلاليتهم، ويؤثر على أدائهم الوظيفي وأمنهم الوظيفي في ذات الوقت، بحيث يجد القضاة أنفسهم أنهم ينساقون لرغبات الإدارة القضائية خوفاً من الندب خارج القضاء ، وبذلك يصبح الندب عزلاً للقضاة خلافاً للمبادئ الدستورية الحامية لاستقلال القضاء، والمبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة.
- تضمن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية تعديلاً للمادة (24) من قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 بحيث تم منح رئيس المجلس صلاحية ندب أي قاض للعمل في أية محكمة يرها مناسبة في حالة الضرورة لمدة ثلاثة أشهر في السنة، وأن ينسب للمجلس القضائي بتمديد فترة الندب لمدة سنة، وبذلك يكون رئيس المجلس القضائي قد وضع في يده صلاحية ندب القضاة من مركز عمل لمركز عمل آخر وفي أي مدينة يجدها ووفق تقديره مناسبة دون خضوعه لأي مساءلة، مما يجعل القضاة مهددين بندبهم لمحكمة غير تلك التي يكون فيها بناء على قرار رئيس المجلس الأمر الذي يجعل من استقلال القاضي وحياده وأمنه الوظيفي تحت ظل رئيس المجلس القضائي، ويجعلهم يعيشون حالة من الترهيب والخضوع لقرارات رئيس المحكمة وأهوائه بتنفيذ ما هو مطلوب خوفاً من النقل والندب لمحاكم أخرى تكون بعيدة عن مركز اقامته، بحيث يعد نقل القضاة إلى مدن أخرى هو من اصعب القضايا التي يعاني منها القضاة وبخاصة عندما يتعلق الأمر بشؤونهم العائلية ومدارس أطفالهم أو التنقل بين المحافظات والمعاناة على الحواجز، وبذلك يؤدي هذ الأمر إلى جعل القضاة يعيشون في حالة خوف دائم من اقدام رئيس المجلس القضائي على مثل هذه الخطوات انتقاماً منهم في حال مخالفتهم لتعميمات تصدر عنه أو عدم قيامهم بتنفيذ أوامره.
- كما تضمن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية منح مجلس القضاء الأعلى بتنسيب من رئيس المجلس صلاحية ندب القضاة في الدرجات القضائية العليا للعمل في الدرجات القضائية الدنيا دون سقف زمني محدد للندب بما يؤثر على حق القضاة في الترقية كما يعد من قبيل استخدام هذه الصلاحية للتدخل في الشأن القضائي من حيث إدارة الدعوى القضائية مما يمنح المجلس القضائي إمكانية التدخل في تشكيل هيئات المحاكم أو تحديد غرف لقضايا محددة يمكن من خلالها ندب قاضي معين للنظر في هذه القضايا؛ مما يعد انتهاكاً لمبدأ حياد القضاء وعدم التأثير الداخلي في المنازعات القضائية.
- أخطر ما جاء به القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية منح مجلس القضاء صلاحيات إنهاء خدمات القضاة والاحالة على التقاعد والاحالة على الاستيداع في انتهاك خطير للمبادئ والقيم الدستورية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وفيه مخالفة واضحة وصريحة لأحكام القانون الأساسي وبخاصة المادة (99) ومخالف لكافة المعايير الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية، حيث منح المجلس القضائي تشكيل لجنة مشكلة من 5 قضاة تقديم توصية للمجلس بإنهاء خدمات أي قاض أو احالته للتقاعد المبكر أو احالته للاستيداع، ولم يحدد القرار بقانون مدة عمل هذه اللجنة أو ما هي المعايير التي يجب أن تسند اليها اللجنة، وهي تعتبر أداة إضافية للتفتيش القضائي ومجلس التأديب، وبذلك يكون هذا التعديل قد انطوى على تضارب خطير للمصالح بحيث يكون تشكيل اللجنة من قبل المجلس لأي قاض يرى المجلس أنه يجب التخلص منه لاعتبارات غير مهنية أو موضوعية وبذلك يحق للجنة تقديم توصية إلى رئيس المجلس بعد اطلاعها على ملف القاضي، مما يجعل القضاة تحت تهديد مستمر بإمكانية احالتهم لمثل هذ اللجان واتخاذ إجراءات بحقهم إما بإنهاء الخدمة، أو الإحالة على التقاعد أو الاستيداع، بما يؤثر على حياد القضاة واستقلالهم الفردي وأمنهم الوظيفي.
- منح القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية مجلس القضاء وبناء على تنسيب من رئيس المجلس صلاحية انهاء خدمة أي قاض لعدم الكفاءة وفق تقرير التقييم الصادر عن المفتشين، وبالنظر إلى المادة (19) من ذات القرار بقانون نجد أن دائرة التفتيش القضائي يجري تعيينها من مجلس القضاء الأعلى حيث جرى تعديل تشكيلها التي كانت تتشكل من رئيس المكتب الفني وهو بمنصب قاض في المحكمة العليا وقضاة محاكم الاستئناف، بحيث أصبح يعين رئيسها واعضائها من قبل المجلس القضائي ويكون رئيسها فقط قاض بالمحكمة العليا وعدد من القضاة غير محددة درجاتهم وعددهم، بما يجعل عملية ترشيح القضاة لدائرة التفتيش مفتوح وبه مساحة تمكن المجلس القضائي من تراه دون ضوابط أو معايير، وتقوم بتعيينهم بهذه الدائرة التي سيكون لها القول الفصل في تقييم القضاة مما يساعد على اتخاذ القرارات بشأن إنهاء خدمات القضاة بطريقة مخالفة للمعايير الدستورية والدولية المستقرة بشأن عدم قابلية القضاة للعزل، إضافة إلى التأثير على القضاة بشأن بما يمس استقلالهم وأمنهم الوظيفي.
- استحدث القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية أداة جديدة لعزل القضاة تحت مسمى الاستيداع، وعرف الاستيداع، بأنه: "وقف مؤقت لخدمة القاضي لمدة لا تزيد على خمس سنوات قبل إحالته على التقاعد"، ووفقا لهذا التعديل يحق للمجلس القضائي بناء على توصية اللجنة المشكلة من المجلس القضائي إحالة القاضي للاستيداع إذا أمضى في الخدمة القضائية مدة عشر سنوات، إضافة إلى إمكانية احالته على التقاعد بعد مرور فترة الاستيداع لمدة 5 سنوات دون حاجة لصدور قرار بالإحالة إلى التقاعد، وهذا الأمر الخطير يعد من اخطر الانتهاكات التي تمس الأمن الوظيفي للقضاة والتي يمكن من خلالها إحالة القضاة للتقاعد والاستيداع دون أية إجراءات أو ضمانات للقضاة بما يؤثر على استقلالهم وحيادهم بما يهدم مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء.
- شكلت التعديلات على قانون السلطة القضائية مخالفة جسيمة لالتزامات فلسطين بموجب الانضمام للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبخاصة المادة (14) من العهد، حيث أكدت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم (34) على أن شرط اختصاص الهيئة القضائية واستقلالها وحيادها وفقا لمدلول المادة (14/1) هو حق مطلبي لا يخضع لأي استثناء، ويشير شرط استقلالية الهيئة القضائية، على وجه الخصوص، إلى إجراءات تعيين القضاة ومؤهلاتهم وضمانات كفالة أمنهم الوظيفي حتى بلوغهم سن التقاعد الإلزامي أو انتهاء فترة ولايتهم، إذا كانت هنالك ولاية محددة، والشروط التي تحكم الترقية والنقل وتعليق ووقف ممارسة العمل، واستقلال الهيئة القضائية استقلالاً فعلياً عن التدخل السياسي من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية.
- كما أكدت اللجنة في ذات التعليق على أنه إذا أرادت الدول أن تكفل استقلال السلطة القضائية وحماية القضاة من خضوع قراراتهم لأي تأثير سياسي، فينبغي لها أن تتخذ إجراءات محددة من خلال الدستور أو اعتماد قوانين تحدد بوضوح الإجراءات والمعايير الموضوعية لتعيين أعضاء الهيئة القضائية ومكافآتهم واستقرارهم الوظيفي وترقياتهم ووقفهم عن العمل وفصلهم، وتحدد العقوبات التأديبية التي تتخذ ضدهم. وأكدت اللجنة على أنه لا يتسق مع مبدأ استقلال الهيئة القضائية أي وضع لا يُميّز فيه بوضوح بين وظائف واختصاصات السلطتين القضائية والتنفيذية أو تتمكن فيه السلطة التنفيذية من السيطرة على السلطة القضائية أو توجيهها، ومن الضروري حماية القضاة من تضارب المصالح والتخويف. وتستوجب المحافظة على استقلال القضاة صيانة وضعهم كما ينبغي بواسطة القانون، بما في ذلك مدة ولايتهم واستقلالهم وأمنهم وكفاية أجورهم وشروط خدمتهم ومعاشاتهم وسن تقاعدهم.
- وأشارت اللجنة في تعليقها إلى مبدأ "عدم جواز عزل القضاة" بأنه لا يجوز فصل القضاة من الخدمة إلا لأسباب خطيرة تتعلق بسوء السلوك أو عدم الكفاءة، ويكون ذلك وفقاً لإجراءات منصفة تكفل الموضوعية والحياد بموجب الدستور أو القانون. كما يتعارض مع استقلال السلطة القضائية قيام السلطة التنفيذية بفصل قضاة من الخدمة، قبل انقضاء مدة الولاية المحددة لهم، أو من دون إبداء أسباب محددة أو حصولهم على حماية قضائية فعالة تمكنهم من الاعتراض على الفصل من الخدمة، وينطبق ذات الأمر، عندما تقوم السلطة التنفيذية بفصل القضاة المتهمين بالفساد من دون اتباع أي من الإجراءات التي ينص عليها القانون.[5]
- كما تعتبر هذه التعديلات التي رافقها استحداث الأدوات لعزل القضاة وفق مسميات مختلفة مخالفة صريحة للمبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة وبخاصة المبادئ المرتبطة بشروط الخدمة ومدتها الواردة في المبدأ ين (11،12) والتي أكدت على "يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم، ويتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معمولا بذلك".
خامساً: تشكيل دائرة التفتيش واللجان ومجالس التأديب وغياب النزاهة والشفافية.
- تضمن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية في المادة (11) منه والتي عدلت المادة (27) من قانون السلطة القضائية لسنة 2002 والتي تأكد على عدم قابلية القضاة للعزل، بحيث جرى إضافة أربعة فقرات إضافية لهذه المادة تضمنت صلاحية المجلس بتشكيل لجنة من خمسة قضاة ثلاثة منهم من قضاة المحكمة العليا على الأقل من غير أعضاء المجلس القضائي تكون مهمتها النظر بوضع القضاة لتقديم توصيات لرئيس المجلس بشأن إحالة القضاة على التقاعد المبكر أو احالتهم للاستيداع أو إنهاء خدماتهم دون تحديد أي معايير خاصة بعمل اللجنة، كذلك إضافة فقرة ثانية تتعلق بصلاحية اللجنة عند تقديم توصية لإنهاء الخدمة في حال كان القاضي غير مستوفي المدة الزمنية للإحالة على التقاعد أو الاستيداع أنه يجب لفصله أن يكون مبني على تقرير تقييم التفتيش القضائي لمدة سنتين دون مستوى جيد.
- تتمثل خطورة استحداث هذه اللجنة في أن تعينها يتم بقرار من مجلس القضاء في أي وقت ودون تحديد مرجعيات لعمل هذه اللجنة، كذلك إمكانية تشكيلها من قضاة المحكمة العليا أو إشراك قاضيين من درجات تقاضي مختلفة، وتكون توصياتها لرئيس المجلس، دون الإشارة إلى مدى الزامية توصيات اللجنة لرئيس المجلس من عدمه ، وبذلك تكون صلاحية رئيس المجلس التنسيب للمجلس القضائي لتنفيذ التوصية وله أن لا ينسب مما يؤدي إذا ما قررت اللجنة تقديم توصية لرئيس المجلس بإحالة قاض للتقاعد أو الاستيداع أو انهاء الخدمة أن لا يقوم رئيس المجلس بتنسيب هذه التوصية ومساومة القضاة لتنفيذ تعليمات رئيس المجلس على أن تبقى هذه التوصية سيف مسلط على رقاب القضاة بما يؤثر على استقلالهم وحيادهم وأمنهم الوظيفي، ويؤكد ذلك غياب مبادئ وقيم النزاهة والشفافية في تشكيل هذه اللجان وإساءة استعمال السلطة في توقيت تشكيلها والهدف منه.
- ألغى القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية المادة (42) من قانون السلطة القضائية لسنة 2002 واستبدلها بمادة جديدة حيث جعل من دائرة التفتيش القضائي تابعة مباشرة لمجلس القضاء الأعلى وليس ملحقة به، كما عدل من تشكيل الدائرة، بحيث كانت تُشكل من رئيس المكتب الفني وهو بدرجة قاضي في المحكمة العليا وعدد كاف من قضاة محكمة الاستئناف أو من هم في حكمهم من أعضاء النيابة العامة، وأصبحت بموجب التعديل برئاسة أحد قضاة المحكمة العليا وعدد كاف من القضاة، إضافة إلى شمول كافة القضاة وأعضاء النيابة العامة بأعمال التفتيش خلافاً لما كان في قانون السلطة القضائية من استثناء قضاة المحكمة العليا من أعمال التفتيش، وبهذا التعديل تم التأكيد على تبعية دائرة التفتيش القضائي للمجلس القضائي، وإلغاء المعايير الخاصة بالقضاة الذين تتشكل منهم دائرة التفتيش القضائي، وبذلك للمجلس القضائي تشكيل الدائرة واختيار القضاة الذين يرغب بتعيينهم كمفتشين. وحيث أن معايير اختيار القضاة غير متوفرة الأمر الذي يخول المجلس أن يختار من يراه مناسب، وبالإمكان اختيار قضاة من درجات محاكم أدنى من درجات المحاكم التي للمفتشين صلاحية بالتفتيش عليهم وهذا يعد فيه إشكاليات كبيرة من حيث الخبرة والكفاءة واحترام الاقدمية ودرجات القضاة، فيمكن أن يكون قضاة بداية يقومون بالتفتيش على قضاة المحكمة العليا.
- زاد القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية من التخمة في صلاحيات رئيس المجلس القضائي وفي التعدي على صلاحيات رؤساء المحاكم من خلال منح رئيس المجلس القضائي الاشراف الإداري على جميع السادة القضاة إضافة إلى صلاحية الاشراف الإداري الممنوحة لرؤساء المحاكم، بما يجعل إشراف رؤساء المحاكم ليس ذات قيمة في مواجهة صلاحية رئيس المجلس القضائي، حيث يحق لرئيس المجلس القضائي من تلقاء نفسه أو بناء على تنسيب دائرة التفتيش القضائي توجيه التنبيه للقضاة دون اعتبار لرؤساء المحاكم الذين يتبعون لها بما يجعل القضاة في خوف من سوء استعمال السلطة من قبل رئيس المجلس القضائي، كما الغى الضمانات المقرة للقضاة فيما يتعلق بحقهم باللجوء للمحكمة في حال رفض تظلمهم من قبل المجلس القضائي بشأن ما يوجه لهم من تنبيهات من رئيس المجلس القضائي، وذلك من خلال إلغاء المادة (47) من قانون السلطة القضائية وتعديلها.
- عدل القرار بقانون في تشكيل مجلس التأديب، حيث كان وفق قانون السلطة القضائية لسنة 2002 يشكل من أقدم قاضيين في المحكمة العليا واقدم قضاة محكمة الاستئناف، وجعله مشكل من قاضيين من المحكمة العليا وقاض من محكمة الاستئناف يختارهم مجلس القضاء الأعلى دون اعتبار للأقدمية، وبذلك يصبح تشكيل مجلس التأديب وفق أهواء المجلس القضائي مما يجعل تشكيل مجلس التأديب يخضع لاعتبارات عدة وهي سلطة تقديرية للمجلس القضائي يمكن أن تشتمل على محاباة أو غيرها من الاعتبارات التي يمكن أن تشكل سوء استعمال للسلطة بحق القضاة الذين يتم إحالتهم لمجلس التأديب، في حين أن قانون السلطة القضائية قبل تعديله قد حدد الأقدمية كمعيار لتشكيل مجلس التأديب مما ينفي أية اعتبارات في تشكيل مجلس التأديب، ويمنح الطمأنينة والموضوعية والمهنية والحياد في تشكيل مجلس التأديب.
- عدل القرار بقانون الأساس الذي يتم بموجبه إقامة الدعوى التأديبية والجهة المخولة بإقامتها، حيث عدل المادة (49) من قانون السلطة القضائية والتي كانت قد حصرت إقامة الدعوى التأديبية من النائب العام بناء على طلب وزير العدل أو رئيس المحكمة العليا أو رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي وحصرها فقط في رئيس دائرة التفتيش القضائي، بحيث يحيل رئيس دائرة التفتيش القضائي الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب ويقوم بدور الادعاء العام أمامه، وهذا يشكل انتهاك جسيم لمبدأ ضمانات المحاكمة العادلة، حيث أن رئيس دائرة التفتيش القضائي هو من قام بالتفتيش على السادة القضاة وكذلك هو من شارك في مراجعة تقارير التفتيش وبذلك يكون قد شارك في التفتيش وإقامة الدعوى التأديبية وممارسة الادعاء العام امام مجلس التأديب، وحيث أن رئيس دائرة التفتيش يعين من قبل المجلس القضائي وكذلك قضاة التفتيش أيضاً ووفقا لما بيناه بشأن تشكيل دائرة التفتيش ومدى عدم استقلاليتها وتبعيتها للمجلس القضائي وتحكم المجلس القضائي بتشكيلها دون اية معايير، والحالة تلك، فإن إقامة الدعوى التأديبية من قبل رئيس دائرة التفتيش يعد مدخلاً لانتهاك الأمن الوظيفي للسادة القضاة بما يزيد من الأدوات التي تساهم في خرق مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل ويساهم في النيل من استقلال القضاة وحيادهم وعدم التأثير عليهم من قبل الإدارة القضائية الداخلية.
- تضمن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية في المادة (26) منه الموجبات للإحالة إلى المجلس التأديبي للسادة القضاة، ومن بين هذه الموجبات كل عمل يمس الشرف والكرامة واللياقة، دون اية معايير ترتبط بتحديد ماهية الاعمال التي تندرج ضمن هذه الاعمال، مما يجعل ورودها على هذا النحو الفضفاض هو بمثابة ترهيب للقضاة تحت هذه المسميات بالإمكان توجيه اتهامات للقضاة بالخلل بالوجبات الوظيفية وبالتالي احالته للمجلس التأديبي مما يجعل القضاة في ترهيب مستمر يؤثر على استقلالهم وحيادهم، بما ينعكس سلبا على منظومة القضاة والحقوق والحريات.
سادساً: انتهاك حق القضاة في تشكيل الجمعيات
- إن المادة (30) من القرار بقانون رقم 40 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، نصت على إنشاء "نادي اجتماعي ثقافي للقضاة"، وكذلك "صندوق للتكافل الاجتماعي للقضاة وأعضاء النيابة العامة" على أن يصدر نظام لكل منهما يحدد كل الإجراءات الشكلية والموضوعية ذات العلاقة بعملهما. وفي هذا النص مخالفة صريحة لحق القضاة في حرية تكوين الجمعيات واستقلالهم في الانضمام إليها من عدمه، وحريتهم في تشكيل جسم يمثلهم بإرادتهم المنفردة دون إخضاعها لرقابة السلطة التنفيذية أو للإدارة القضائية التي قد تضعف استقلالها المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكافة الاتفاقيات والمبادئ الدولية المنظمة لعمل القضاة ذات العلاقة.
- إن المادة (30) من القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية السابق تخالف حق القضاة في تكوين جمعيات، المكفولة في أحكام المادة (26/2) من القانون الأساسي، والتي تنص على: "للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: 2- تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون". والمادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تكفل الحق في حرية تكوين الجمعيات واستقلاها وعدم تقييدها، والتي تنص على: "1-لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. 2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق".
- أكد المقرر الخاص المعني بالحق في حرية تكوين الجمعيات على ضرورة التزام الدولة بعدم عرقلة ممارسة هذا الحق، وحريتهم في تحديد نظامهم الأساسي وهيكلة تنظيمهم، وذلك ضمن الفقرة (64) والتي نصت على: "يقع التزام سلبي على عاتق الدول بعدم عرقلة ممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات بدون مبرر، وينبغي أن يتمتع أعضاء الجمعيات بحرية تحديد نظامهم الأساسي وهيكل تنظيمهم وممارسة أنشطتهم واتخاذ قراراتهم دون تدخل الدولة، وأن تتمتع الجمعيات في استخدام وسائلها وتحقيق أهدافها بالحماية القانونية الدولية، وينبغي أن تتمتع الجمعيات بحقوق تشمل الحق في التعبير عن الرأي والحق في نشر المعلومات والحق في الاشتراك مع الجمهور والمناصرة أمام الحكومات تأييداً لحقوق الإنسان".
- إن تقييد حق القضاة في تكوين جهات مستقلة تمثلهم يخالف المبادئ الأساسية المنظمة لعمل القضاة واستقلالهم الواردة في فقرة (9) من المبادئ الأساسية بشأن استقلال التي أكدت على الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفي الانضمام إليها، كما خالف القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية المعايير الدولية بشأن السلوك القضائي ومنها مبادئ بانغالور بشأن سلوك الجهاز القضائي والميثاق العالمي للقضاة، التي أجازت تشكيل رابطات للقضاة وانضمامهم إليها، أو المشاركة في منظمات أخرى تمثل مصالح هذه الفئة
- إن المبادئ الأساسية المنظمة لعمل القضاء في المنظومة الدولية والواردة ضمن توجهات المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين التي تؤكد على حق القضاة في تشكيل جمعيات مستقلة، لا تخضع لسيطرة غيرها من سلطات أو أفراد، والتي أكدت أن للقضاة والمدعين العامين الحق في تكوين المنظمات المهنية لحماية مصالحهم المهنية، وفي الانضمام إليها. ويمكنهم أيضا الانضمام إلى المنظمات الأخرى شريطة ألا تنال عضويتهم في هذه الجمعيات من هيبة منصبهم أو من استقلالهم وحيادهم، وأكد المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين، أن القضاة والمدعين العامين أنفسهم هم الأقدر على تحديد نطاق ومضمون القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة بممارسة الحريات الأساسية والحقوق السياسية. وبناء على ذلك ينبغي أن توضع التشريعات الوطنية والمعايير الأخلاقية في إطار عملية علنية وشفافة يشترك فيها القضاة والمدعون العامون والمنظمات التي تمثلهم.
سابعاً: سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء الإداري
- عبر القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية من حيث المبدأ عن غياب الرؤية الواضحة المبنية على تقييم جاد للقضاء الإداري في فلسطين، وبالرغم من الدعوات التي نادت بضرورة أن يكون القضاء الإداري على درجتين وأن يتجاوز قضاء الإلغاء ليكون قضاء إلغاء وتعويض، إلا أن إقرار هذا القرار بقانون وفصل القضاء الإداري عن القضاء النظامي وما يترتب عليه من تكلفة مالية يتناقض بشكل كبير جداً مع واقع السلطة الفلسطينية المالي وواقع منظومة القضاء الذي يعاني من شح الموارد الظاهرة بشكل جلي في كافة الدرجات القضائية والبنية التحتية للمحاكم، وما سيزيد من أعباء مالية كبيرة فيما يتعلق بالبنية التحتية للقضاء الإداري، بحيث كانت كافة المقترحات المقدمة بشأن القضاء الإداري واقعية وغير مكلفة مالياً من خلال استحداث قضاء إداري على درجتين وتشكيل غرف محاكم إدارية في المحافظات في الشمال والجنوب دون اللجوء للفصل ومحاولة تقليد دول مستقرة تختلف تاريخيا عن السياق الفلسطيني من حيث تعداد السكان وعدد القضايا، والاستفادة من الموارد المالية في تطوير البنية التحتية للمحاكم في هذه المرحلة، كذلك تبنت المقترحات المقدمة ضرورة أن يكون هناك مشاركة واسعة في النقاشات بشأن تلك المقترحات وأن تصدر من خلال برلمان منتخب.
- منح القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية هيمنة كاملة للسلطة التنفيذية على القضاء الإداري من خلال منح رئيس الدولة صلاحية تعيين رئيس المحكمة الإدارية العليا بشكل مستمر وقبول استقالته دون أي اجراء سابق سواء من الجمعية العامة للمحكمة الإدارية أو تنسيب من قبل جهة تشريعية أو غيرها وهذا يجعل من عملية اختيار رئيس المحكمة الإدارية العليا حكراً على رئيس الدولة ويوليه مطلق الصلاحية ودون أية معايير غير تلك التي نصت عليها المادة (10) من القرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم الإدارية والتي تضمنت شروط عمل من يتولى منصب رئيس المحكمة الإدارية العليا وجلوسه في القضاء الإداري لمدة خمس سنوات أو عمل في سلك المحاماة أو القضاء الإداري والنظامي لمدة عشرين سنة، وهذا ما ينطبق على تعيين رئيس المحكمة العليا في القضاء النظامي وهي ذات الإشكاليات المرتبطة بتضارب المصالح والاعتبارات السياسية مما يؤثر على استقلالية القضاء والقضاة الخارجية وينعكس سلبا على الحقوق والحريات ومبدأ سيادة القانون.
- يعد منح رئيس الدولة صلاحية أول تعيين قضاة المحاكم الإدارية العليا والمحاكم الإدارية بالتشاور وليس التنسيب مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل هو ضمان لسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء الإداري منذ بدايته، حيث يكون لرئيس مطلق الصلاحية في تعيين قضاة المحاكم الإدارية بمختلف درجاتها للمرة الأولى وهذا الأمر ينطوي على مخاطر عديدة تتمثل في الاعتبارات التي سيتم اختيار القضاة المنطبقة عليهم شروط التعيين في القضاء الإداري والتي يغلب عليها بموجب واقع الحال فيما يتعلق بالتعينات التي تقوم بها السطلة التنفيذية والتي في أغلبها اعتبارات سياسية وليس غيرها من اعتبارات الكفاءة والنزاهة والحياد، بما يفقد القضاء الإداري استقلاليته، بحيث تكمن الخطورة الأخرى في اختصاص القضاء الإداري باعتباره ملجأ المواطن في مواجهة السلطة التنفيذية وهي جهة الإدارة بحيث يغلب على هذا القضاء النظر في علاقات الافراد بالسلطة التنفيذية بالدرجة الأولى، فكيف سيطمأن الافراد لقضاء موالي للسلطة التنفيذية فاقد استقلاليته وبذلك يكون تشكيل المحاكم الإدارية وتعيين قضاتها قد خالف جميع المبادئ الدولية من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السطلة القضائية وما قرره المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين وغيرها من المعايير الدولية المتصلة بالسلوك القضائي.
- تشابه القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية مع القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية من حيث خضوع القضاة لشرط السلامة الأمنية وشرط اللياقة الطبية لشغل الوظيفة القضائية، بما ينطوي على انتهاك خطير لمبدأ المساواة وعدم التمييز في شغل الوظيفة القضائية، مما يؤدي للتميز بناء على الرأي السياسي والاعاقة، بما ينتهك القانون الأساسي الفلسطيني والتزامات فلسطين بموجب الانضمام للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
- تضمن القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية ندب القضاة لغير العمل في الاعمال القانونية، وذلك بناء على تنسيب الجمعية العامة للمحكمة، وبالنظر إلى تشكيل الجمعية العامة للمحاكم الإدارية الواردة في المادة (13) من القرار بقانون نجد أن الجمعية العامة لها أن تفوض رئيس المحكمة الإدارية العليا أو لجنة من أعضائها بعض من اختصاصاتها وردت عامة دون أن تحدد ما هيه هذه الاختصاصات التي يجوز فيها التفويض، بما يجعل ندب القضاة من ضمن ما يفوض لرئيس المحكمة الإدارية العليا الأمر الذي يؤدي إلى جعل الندب للقضاة للقيام بأعمال غير قانونية بيد رئيس المحكمة مما يؤدي إلى جعل القضاة يتأثرون من هذا الأمر بما يؤثر على استقلالهم فيما يعرض عليهم وخطورة ما يقوم به لاتصاله بحقوق الافراد باللجوء للقضاء في مواجهة الإدارة.
- نص القرار بقانون بشأن تشكيل الجمعية العامة للمحاكم الإدارية في المادة (13) على اختصاصات الجمعية العامة للمحاكم الإدارية والتي تتمثل في النظر في شؤون القضاة وترقياتهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم وتظلماتهم، وما اوكل لها من اختصاصات بموجب القرار بقانون، ولها أن تفوض رئيس المحكمة الإدارية العليا بعض من اختصاصاتها، وهذا النص يحتوي على مخاطر كبيرة لجهة استقلال القضاة وعدم تأثرهم الداخلي، بحيث يمكن لرئيس المحكمة الإدارية العليا بموجب تفويض من الجمعية العامة للمحكمة أن يستخدم هذه الصلاحيات في مواجهة ترقية القضاة أو ندبهم أو نقلهم، كذلك إحالة القضاة إلى مجلس التأديب وفق المادة (16) من القرار بقانون، مما يجعل رئيس المحكمة الإدارية العليا المعين من قبل السلطة التنفيذية في يده صلاحيات تؤثر على استقلال القاضي وحياده.
- حظر القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية في المادة (14/2/ط) الاتصال مع الجهات الإعلامية دون إذن مسبق من رئيس المحكمة الإدارية العليا، وبذلك يكون كافة القضاة سواء في المحكمة الإدارية العليا أو في المحكمة الإدارية التواصل مع الاعلام إلا بإذن مسبق من رئيس المحكمة العليا، بما يعني منع القضاة من التعبير عن الرأي الأمر الذي ينتهك أحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي أكد في المادة (19) على الحق في حرية الرأي والتعبير للفلسطينيين كافة بما فيهم السادة القضاة، كذلك ينتهك التزامات دولة فلسطين بموجب انضمامها للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبخاصة المادة (19) منه.
- نص القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية على إنشاء دائرة للتفتيش القضائي على أن تتبع رئيس المحكمة العليا وتشكل برئاسة نائب رئيس المحكمة الإدارية العليا وعضوية عدد من القضاة غير محددين العدد أو الصفات القضائية، مما يجعل من قضاة المحكمة الإدارية أعضاء فيها وبإمكانهم اجراء تفتيش على قضاة المحكمة الإدارية العليا الأعلى درجة، كما أن تبعية دائرة التفتيش لرئيس المحكمة العليا يجعلها تحت تأثير رئيس المحكمة فيما يتصل بعملها مما يؤثر على استقلالية عملها، كما لم يحدد القرار بقانون من يخضع للتفتيش إذ نص فقط على دورية التفتيش كل عام فقط، كذلك لم يتضمن أي إشارة إلى سرية التقييم وملفات القضاة، وجعل التظلم من قرار التقييم الصادر عن دائرة التفتيش من اختصاص الجمعية العامة للمحكمة باعتباره قرار نهائي، دون أن يوضح القرار بقانون ما إذا كان قرار الجمعية العامة النهائي خاضع للطعن أمام أي مرجع، إضافة لما سبق لم يتعرض لنتائج التقييم، وطبيعة قرارات دائرة التفتيش وهل هي توصيات يجري تنسيبها أم هي قرارات ملزمة للجمعية العامة للمحكمة الإدارية.
- تضمن القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية في المادة (16) المساءلة التأديبية للقضاة، حيث نصت على أنه إذا وجد رئيس دائرة التفتيش التي تتبع رئيس المحكمة الإدارية العليا موجباً لمساءلة القاضي ترفعه إلى الجمعية العامة للمحكمة التي إذا رأت ان هناك موجباً تحيل القاضي إلى مجلس تأديبي، ونجد في هذا النص أنه استند إلى سلطة تقديرية لرئيس دائرة التفتيش وسلطة تقديرية للجمعية العامة دون توضيح المعايير والمخالفات التي بموجبها يحال القاضي للمجلس التأديبي، وهذا أمر في غاية الخطورة إذ يخالف قرينة البراءة ومبدأ الشرعية، ويخالف مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة.
- حمل القرار بقانون تمييز واضحاً بين القضاة فيما يتصل بالحقوق المترتبة للقضاة من رواتب ومخصصات إذ ميز بين رئيس المحكمة العليا وبين باقي القضاة فيما يتصل بحساب الراتب التقاعدي وسنوات الخدمة لاحتساب الراتب التقاعدي بحيث ينطبق على رئيس المحكمة الإدارية العليا ما ينطبق على رئيس المحكمة الإدارية العليا محكمة النقض الموازي له في قرار بقانون السلطة القضائية وجعل باقي قضاة المحكمة متوازيين مع قضاة محاكم الاستئناف، وهذا تمييز في الحقوق والمخصصات يخالف مبادئ القانون الأساسي ومبدأ تكافؤ الفرص.
ثامناً: قرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم رقم (39) لسنة 2020
- ألغى القرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم النظامية قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (5) لسنة 2001 وتعديلاته، حيث جاء هذا القرار بقانون بالتوازي مع القرارات بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وتشكيل المحاكم الإدارية، ويأتي صدوره بالتناغم مع تلك القرارات بقانون من حيث تقاسم الصلاحيات والمهام والغنائم إن جاز التعبير، وبموجب هذه التعديلات تم هدر لصلاحيات رؤساء المحاكم الخاصة بالإشراف الإداري المنصوص عليه في قانون تشكيل لمحاكم لسنة 2001، حيث ألغى صلاحية الاشراف الإداري لرؤساء المحاكم واناطها برئيس مجلس القضاء الأعلى بموجب نص المادة (22) من القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020، علاوة على منح رئيس مجلس القضاء الأعلى في المواد (10،13) من قرار بقانون تشكيل المحاكم صلاحية التدخل في الإشراف الإداري وحسن سير العمل في المحاكم بالرغم من صلاحية رؤساء المحاكم لصلاحية الاشراف على سير العمل، فمنح رئيس المجلس القضاء صلاحية تشكيل غرف إضافية في محاكم البداية والاستئناف دون أي اعتبار لرؤساء المحاكم، مما يعني إمكانية تشكيل هيئات قضائية وفق هوى رئيس المجلس القضائي وخلافاً لمصلحة العمل التي يرتئيها رئيس كل محكمة، بما يثير التساؤل حول المغزى من هذه الصلاحية لرئيس المجلس القضائي، والاعتبارات التي يمكن لها أن تسود في تشكيل مثل هذه الهيئات القضائية.
- أحال القرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم العديد من القضايا المرتبطة بتشكيل المحاكم واختصاصها المكاني والنوعي والقيمي إلى الأنظمة، ومن المستقر عليه في تدرج القواعد القانونية أن الأنظمة تأتي في مرتبة أقل من التشريع الأساسي وهو القانون، حيث أكد القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 في المادة (97) على "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويحدد القانون طريقة تشكيلها واختصاصاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، وتعلن الأحكام وتنفذ باسم الشعب العربي الفلسطيني." وبذلك نجد أن تكليف مجلس القضاء الأعلى بوضع الأنظمة الخاصة بتشكيل المحاكم بموجب المادة (22) منه يقع مخالفاً للقانون الأساسي الفلسطيني بما يتصل بضرورة تحديد اختصاصات المحاكم بموجب قانون وليس نظام.
- تضمن القرار بقانون بتشكيل المحاكم اختصاص محاكم البداية والتي تتشكل من قاض فرد في الجنايات وبخاصة في الجنايات التي تخرج عن حكم الإعدام والاشغال الشاقة المؤبدة والاعتقال المؤبد، والتي تنتهك ضمانات المحاكمة العادلة ولاسيما أن وجود هيئة قضائية محايدة ونزيهة ومشكلة وفقا للقانون من ثلاثة قضاة قررت لمصلحة المتهم لما لها من أهمية في مجال مداولة الحكم والاطمئنان للبينات والأدلة المقدمة في معرض الدعوى بما يشكل ضمانة هامة على صعيد المحاكمة العادلة.
ثامناً: الاستنتاجات
- انطوت عملية إقرار القرارات بقانون المذكورة على تضارب خطير للمصالح، كما اعترها انعدام النزاهة والشفافية في آلية اعداها وإقرارها، بما يثير العديد من التساؤلات بشأن نزاهة الحكم والنظام السياسي في فلسطين، كما أنها اشتملت على هدم لكل المبادئ والقيم الدستورية للنظام السياسي من خلال هدر مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية.
- أفصحت هذه القرارات بقانون عن اعتداء جسيم مارسته السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وصدورها قبل صدور مرسوم الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، الأمر الذي يثير التساؤل بشأن توقيت صدورها، والغاية منه، لا سيما أن تعديل قانون السلطة القضائية جاء مخالفاً بشكل واضح وصريح للقانون الأساسي الفلسطيني وبخاصة المادة (43) والتي لا تجيز صلاحية تعديل قانون السلطة القضائية لانعدام كافة مقومات المادة (43) من القانون الأساسي لغايات تعديل قانون السلطة القضائية بما فيها حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ونحن على أبواب ولادة مجلس تشريعي بعد شهور قليلة، كذلك تغول على السلطة القضائية من ما حملته نصوص هذه القرارات بقانون بما يغيب عن قصد استقلال القضاء المؤسسي والفردي.
- أظهرت القرارات بقانون المذكورة النوايا لدى السلطة التنفيذية بالسيطرة على القضاء، وذلك من خلال سيطرتها على تعيين القضاة وعزلهم، كذلك اطباق السطوة لرئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الإدارية العليا على القضاة ترهيباً وترغيباً تحت سيف النقل والندب والاستيداع وإنهاء الخدمة والاحالة على التقاعد، بما يجعل من تحقق استقلال القاضي وعدم تبعيته وتأثره الداخلي والخارجي أمر يتعذر تحقيقه، مما ينبأ عن مستقبل قاتم لاستقلال القضاء الفلسطيني، فضلاً عن تكريس وتعزيز انقسام الجسم القضائي.
- لم تحمل التعديلات التي تضمنتها القرارات بقانون توجهات إصلاحية حقيقية مبنية على رؤية سلمية للإصلاح القضائي والنهوض به واستعادة ثقة المواطنين بالقضاء، وذلك أن كافة التعديلات التي طالت قانون السلطة القضائية اتسمت باستحداث الآليات والأدوات التي تمكن الإدارة القضائية والسلطة التنفيذية من السيطرة على القضاء وتعيين القضاة وعزلهم خلافاً للمبادئ والمستقرة بشأن عدم قابلية القضاة للعزل، إضافة إلى تقييد القضاة وحقوقهم في حرية الرأي والتعبير وتشكيل الجمعيات.
- جاءت القرارات بقانون الأخيرة لتتوج جهود السلطة التنفيذية في استثناء قضاة بعينهم من تولي المناصب القضائية وبخاصة رئاسة المحكمة العليا، كذلك منح السلطة التنفيذية مطلق الصلاحية في تعيين رئيس المحكمة العليا محكمة النقض ورئيس المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذي يعد تدخل خطير في الشأن القضائي يمس استقلال السلطة القضائية وبخاصة استقلالها المؤسسي.
- أفصحت القرارات بقانون المذكورة عن غياب أي إرادة حقيقية بشأن مشاركة المجتمع في عملية الإصلاح المزعوم، حيث أعدت هذه القرارات بقانون في غرف مغلقة بعيدة عن التشاور حتى مع الجهات الرسمية والجهات الفاعلة في قطاع العدالة من المجتمع المدني وبخاصة نقابة المحامين وغيرها من ذوي الشأن والتخصص، كذلك غياب أي إرادة جادة لتوحيد الجسم القضائي ما بين الضفة وغزة، والسير على ذات النهج الذي شكلت فيه المحكمة الدستورية العليا المثيرة للجدل في تشكيلها وقرارتها.
تاسعاً: التوصيات
- إلغاء كافة القرارات بقانون الصادرة بالشأن القضائي والمراسيم والقرارات الصادرة بخصوص الإحالة على التقاعد والندب للسادة القضاة، وإجراء اية مساءلة للقضاة وفق أحكام قانون السلطة القضائية وتوفير كافة ضمانات المحاكمة العدالة لهم.
- عدم اجراء تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، إلا من خلال برلمان منخب بشكل ديمقراطي، وتشكيل مجلس القضاء الأعلى الدائم وفق أحكامه ليكون هو مجلس قضائي موحد ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن يكلف بإجراء مشاورات موسعة مع كافة الجهات الرسمية والأهلية ووضع رؤية مرفقة بتصور وخطة عملية للنهوض بواقع السلطة القضائية واستعادة ثقة المواطنين بها.
- توقف السلطة التنفيذية عن التدخل في الشأن القضائي بكل صوره وأشكاله، وتوفير الدعم الازم له، كذلك توفير الاستقلال المالي للسلطة القضائية بما يمكنها من إعداد بنية تحتية مستجيبة لكافة التحديات التي تواجهها السلطة القضائية، سواء على صعيد الكادر البشري أو الموارد المادية واللوجستية.
انتهى
[1] - مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 آب/أغسطس إلى 6 أيلول/ديسمبر 1985 كما اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 40/32 المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 40/146 المؤرخ في 13 كانون الأول/ديسمبر 1985
[2] - الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن سلوفاكيا، وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، CCPR/C/79/Add.79 الفقرة 3.
[3] - الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن تونس، وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، CCPR/C/79/Add.43، الفقرة 14؛ الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن النيبال، وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيةCCPR/C/79/Add.42 الفقرة 18 .
[4] - المبادئ التوجيهية بشأن استقلال السلطة القضائية، مرجع سابق
[5] - التعليق العام رقم 34 لجنة حقوق الإنسان مرجع سابق