توصلت مؤسسة الحق نتيجة تحقيقاتها الميدانية في قضية الطفل علي أيمن صالح أبو عليا، البالغ من العمر 15 عامًا، أن قوات الاحتلال قتلت الطفل عمدًا خلافًا لما ادعاه المتحدث باسم جيش الاحتلال المدعو أفيخاي أدرعي بأن "ما يقال حول استخدام الرصاص الحي يبقي في إطار الشائعات المغرضة ولا تمت للحقيقة بصلة" (انظر الصورة الأولى ادناه)، حيث عاد لاحقًا وغير تصريحاته بعد أن لم يجد جدوى من إخفاء الحقيقة التي يحاول دائمًا إخفاءها، انسجامًا مع السياسة الاحتلالية العامة بهذا الصدد، وادعى أن "قوات الأمن [قامت] بتفريق المخلين بالنظام، مستخدمة وسائل مكافحة الشغب، من ضمنها رصاص روجر." وأن "الادعاء بوجود إصابات وقتيل في صفوف مثيري الشغب معروف، وقد تم فتح تحقيق بالأمر على [أن] يتم إحالة نتائجها إلى النيابة العسكرية."[1]
فوفقاً لشهادات شهود العيان، ومنهم أحمد أحمد حسين طريق، وهو مسعف متطوع في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، ومن سكان قرية المغير، فإنه في قرابة الساعة التاسعة صباحًا من يوم الجمعة الموافق 4/12/2020 انطلقت مجموعة من الأطفال والشبان من قرية المغير، يبلغ عددهم حوالي 40 شخصًا، تتراوح أعمارهم بين 10-20 عاما في تظاهرة، وساروا باتجاه منطقة القلاع شرق قرية المغير، احتجاجًا على قيام مستوطنين بوضع بؤرة استيطانية في منطقة رأس التين الواقعة على أراضي قرية كفر مالك المجاورة لقرية المغير. وبعد وصول الأطفال والشبان إلى منطقة القلاع قاصدين التوجه إلى التلة المشرفة على شارع "الون" الاستيطاني الالتفافي، هاجمهم ثلاثة من جنود الاحتلال كانوا قد اختبأوا خلف سلاسل حجرية، وبدأوا فورًا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، بشكل مباشر على الفتية، الذين ردوا بإلقاء الحجارة واعادة القاء قنابل الغاز باتجاه جنود الاحتلال. ويضيف الشاهد أن عدد جنود الاحتلال تزايد ليصبح 12 جنديًا تقريبًا، وبدأوا بإلقاء قنابل الصوت وإطلاق الرصاص المطاطي والحي تجاه الفتية، حيث استمر ذلك حوالي ساعتين، لاحق فيها جنود الاحتلال المتظاهرين إلى أن وصلوا منطقة الدكة في قرية المغير، وأصيب أربعة شبان بالاختناق جراء استنشاقهم للغاز.
وفي منطقة الدكة، وعند الساعة الواحدة والربع بعد الظهر تقريبًا، تموضع جنود الاحتلال على رأس التلة التي تطل على مكان تواجد الشبان بين السلاسل الحجرية في أسفل التلة، رأى شاهد العيان أن أحد الجنود برفقة ضابط، دلّ عليه زيه العسكري، قد أخذ وضعية القنص بالاستلقاء على بطنه مع توجيه بندقيته ذات الفوهة الطويلة باتجاه الشبان. وفي هذه الأثناء كان الطفل أبو عليا يتواجد على بعد حوالي 150 متر من الجنود واقفًا بمحاذاة بعض الأولاد الآخرين، عندما سمعه شاهد العيان يصيح قائلاً "أخ يا بطني" وسقط أرضا على ظهره. وقد بينت نتائج الفحص الطبي اللاحق أنه أصيب برصاصة واحدة اخترقت الجزء العلوي من جسده بنحو 2 سم أعلى منطقة السرة، كما أوضح المسعف الذي عاين إصابته. عندها قام شبان ومن ضمنهم الشاهد المسعف بنقل الطفل علي إلى مدخل قرية ترمسعيا المجاورة، لانتظار سيارة اسعاف الهلال الاحمر، التي وصلت بعد ربع ساعة من الانتظار على مدخل قرية ترمسعيا. تم بعدها نقل علي إلى مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله التي تبعد حوالي 22كم عن المكان، حيث أجريت له عملية جراحية استغرقت حوالي أربع ساعات، من الساعة الثانية والنصف حتى الساعة السادسة والنصف مساءً، ليعلن عن استشهاده في تلك اللحظة.
استناداً لما ورد أعلاه من سرد للوقائع فإن عملية قتل الطفل أبو عليا قد تصل لمستوى جريمة القتل العمد، والذي يصنف كانتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة،[2] وجريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية،[3]وهي جريمة ترتّب مسؤولية جنائية فردية على مرتكبها المباشر وعلى كل من شارك فيها. فإطلاق النار على الطفل أبو عليا لم يتم في ظرف يشكل خطرًا وشيكًا على حياة الجنود يدفعهم للتصرف دفاعًا عن النفس، حيث كان الطفل يقف على بعد 150 مترًا من مكان تواجد الجنود. فقد تصرف الجنود خلافًا "لمدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" والتي تحظر استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبه، وتعتبر أن اللجوء للأسلحة النارية يعد تدبيرًا أقصى.[4] كما أن عملية القتل هذه تعد حرمانًا تعسفيًا من الحياة في مخالفة واضحة لنص المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.[5]
بالإضافة لذلك فإن موضع الرصاص في الجسم وقيام قناص بإطلاق النار يشير إلى انعقاد نية القتل لدى الجنود، ذلك أن موضعها قاتل، ولم يكن هناك ما يدعو لاستخدام الذخيرة الحية من حيث المبدأ.
ترى مؤسسة الحق أن تمادي جنود الاحتلال في جرائم القتل لم يكن ليكون لولا غياب المساءلة من قبل دولة الاحتلال ومن قبل الأطراف الثالثة، وهذا ما يدفع الجنود لاستسهال قتل الفلسطينيين، أطفالًا كانوا أم لا، حيث قتلت قوات الاحتلال منذ بداية العام 30 فلسطينيًا من بينهم ثمانية أطفال في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعليه، فإن مؤسسة الحق تطالب بالتحقيق في هذه الحادثة من قبل جهات محايدة مع الضابط المسؤول عن اتخاذ قرار القتل بحق الطفل علي ومع الجندي القاتل لمحاسبة المسؤولين، ولردع قوات الاحتلال من استباحة الدم الفلسطيني بالشكل الممنهج والتعسفي القائم اليوم والمستمر منذ بداية احتلال فلسطين.
ترى مؤسسة الحق أيضا ضرورة إعادة تفعيل الحملة الدولية الضاغطة لوصم جيش الاحتلال ووضعه على قائمة العار، ووصف هذه الدولة بأنها دولة القتلة، وخصوصًا في ظل مسارعة مسؤوليها في كل مرة يقتل فيها فلسطيني لتبرير القتل، أو الادعاء بأن الأمر سيتم التحقيق فيه على أبعد تعديل، ودون نتائج على أرض الواقع. كما أن هذه الجريمة تؤكد مجددًا على ضرورة قيام المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في الحالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وضرورة تعاون الدول معها.
[1] https://www.facebook.com/IDFarabicAvichayAdraee/posts/3839730226077541
[2] أنظر المادة 147 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام من قبل المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب المعقود في جنيف خلال الفترة من 21 نيسان/أبريل إلي 12 آب/أغسطس 1949. تاريخ بدء النفاذ: 21 تشرين الأول/أكتوبر 1950 وفقا لأحكام المادة 53 (1)
[3] المادة 8 (أ) (1) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، اعتمد من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعنى بإنشاء محكمة جنائية دولية بتاريخ 17 تموز/يوليو 1998، تاريخ بدء النفاذ: 1 حزيران/يونيه 2001، وفقا للمادة 126
[4] أنظر المادة 3 من مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
34/169 المؤرخ في 17 كانون الأول/ديسمبر 1979.
[5] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49.