يحتفل العالم اليوم، 30 حزيران، باليوم الدولي للعمل البرلماني، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 72/278، الصادر العام 2018، حيث يحتفل العالم بهذه المناسبة للتأكيد على أهمية التفاعل بين منظمة الأمم المتحدة والبرلمانات الوطنية والاتحاد البرلماني الدولي، ويشدد على أهمية الدور الذي تضطلع به البرلمانات الوطنية في وضع الخطط والاستراتيجيات، وترجمة الالتزامات الدولية إلى سياسات وتشريعات وطنية، وضمان تحقيق الشفافية والمساءلة التي تعد وغيرها من المهام جوهرًا أساسيًا في سبل احترام الحياة الديموقراطية وسيادة القانون، وإعمال حقوق الإنسان، المدنية منها والسياسية، كما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة لأهميته في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
تأتي المناسبة هذا العام في وقت لا يزال فيه المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) معطلًا لأسباب تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي والانقسام السياسي الفلسطيني المستمر منذ العام 2007. وإذ تدعو منظمة الأمم المتحدة لإحياء هذا اليوم وتعزيز الوعي به عالميًا، تدعو مؤسسة الحق إلى تعزيز الوعي بالواقع البرلماني في دولة فلسطين، والتأكيد على أهمية إعادة تفعيل البرلمان الفلسطيني سعيًا لتحقيق كافة ما ينادي به مضمون قرار الجمعية العامة في إحياء ذكرى هذا اليوم. ومن هنا تؤكد الحق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية التي تحول دون ممارسة البرلمان الفلسطيني للدور الذي أنيط به وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003، والنظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني للعام 2008، والالتزامات الدولية التي ترتبت على دولة فلسطين وفقًا لانضمامها للاتفاقيات الدولية، خاصة تلك الأساسية منها لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دون أي تحفظات منذ العام 2014.
ويعد وجود الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني طويل الأمد، وقيامه بفرض سيطرته الفعلية على الأرض الفلسطينية منذ العام 1967، أكثر الأسباب مباشرة في عرقلة دور البرلمان الفلسطيني؛ إذ سعى الاحتلال لخلق وترسيخ التجزئة القانونية والجغرافية بين الشعب الفلسطيني أينما وجد. وليس أدل على ذلك مما أصدرته دولة الاحتلال في العام 1980، من قانون أساسي يسمى "القدس عاصمة إسرائيل" والذي يضم القدس لإسرائيل بشكل غير قانوني. كما كان الإغلاق الكامل الذي فرضته إسرائيل – الدولة القائمة بالاحتلال - على قطاع غزة منذ العام 2007، وعزمها ضم أجزاء أخرى من الضفة الغربية المحتلة إلى دولة الاحتلال دورًا مهمًا في إعاقة عمل البرلمان. إضافة لذلك، فإن سلطات الاحتلال قامت باعتقال البرلمانيين والبرلمانيات الفلسطينيين/ات، حيث لا يزال 7 منهم/ن رهن الاعتقال حتى هذا اليوم. إن ما ذكر من أسباب وغيرها من سياسات وممارسات الاحتلال يشكل عقبة جوهرية أمام التئام الشعب الفلسطيني الواحد، وممارسته لمعظم حقوقه، لاسيما الجماعية منها، كتقرير المصير، ويحول دون اضطلاع الدولة الفلسطينية بأدوارها الثلاث، والتشريعي منها على وجه الخصوص.
وعلى الصعيد الداخلي، يعتبر الانقسام السياسي الفلسطيني، وهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، من أهم الأسباب التي تُقطِّع أوصال العمل البرلماني فيها. حيث تَعطَّل أداء البرلمان الفلسطيني الثاني "الأخير" الموحد بين الضفة الغربية وقطاع غزة إثر الانقسام السياسي في تموز من العام 2007. حيث استمر هذا البرلمان بإصدار تشريعات نافذة في قطاع غزة حتى اليوم، إلا أن هذه التشريعات لم تنفذ في الضفة الغربية منذ ذلك الحين. وفي ذات الوقت، باشرت السلطة التنفيذية في الضفة الغربية ممارسة الدور التشريعي فيها، من خلال إصدار قرارات لها قوة القانون (قرارات بقانون)، تلك التي يجوز لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إصدارها في "حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي،" إلا أنها لا تزال تصدر وبغزارة في غير تلك الحالات منذ وقوع الانقسام وحتى يومنا هذا؛ وهي نافذة في الضفة الغربية دون قطاع غزة.
ورغم انتهاء ولاية البرلمان الفلسطيني الثاني "الأخير" المنتخب، بتاريخ 25 كانون ثاني 2010، أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارًا تفسيريًا رقم (10/2018) بتاريخ 12 كانون أول 2018، يقضي بحل المجلس التشريعي بشكل نهائي، خلافًا لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني، إلا أن واقع التشريع في قطاع غزة والضفة الغربية بقي ساريًا بانقسامه وبالحال السابقة لقرار المحكمة المذكور.
وكان لتراجع العمل البرلماني في دولة فلسطين نتائج سلبية كبرى، تُرجم معظمها بحرمان الشعب الفلسطيني "مصدر السلطات" من حقه الدستوري في المشاركة السياسية، بعدم الترشيح والتصويت في الانتخابات العامة منذ العام 2010، حيث كانت عواقبه وخيمة على أسس الحياة التشريعية والديمقراطية وانتظامها. كما وكانت هيمنة السلطة التنفيذية على المهام التشريعية ظاهرة للعيان، تاركة أثرها على جوهر وشكل وآلية ومراحل صدور التشريعات الفلسطينية الرصينة، مما انعكس سلبًا على إعمال المبادئ الدستورية الأساسية؛ كمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء. بل وطالت هذه النتائج المساس بالكثير من الحقوق والحريات الأساسية للفلسطينيين والفلسطينيات كحقهم/ن بحرية الرأي والتعبير، والعمل الصحفي، والوصول إلى العدالة، والمشاركة السياسية كما المشاركة في صنع القرار، بالإضافة للحق في الحماية من العنف والتمييز وعدم المساواة.
إن هذه النتائج لا يمكن تلافيها دون وقف انتهاك سيادة القانون والفصل بين السلطات وإعادة الاعتبار للعمل البرلماني ودوره الدستوري الحاسم في أداء المهام التشريعية والرقابية وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، ودوره في مواءمة التشريعات المحلية للاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين دون تحفظات. تلك الأمور التي أكدت على ضرورتها لجان معاهدات الأمم المتحدة، اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، ولجنة القضاء على التمييز العنصري، بالإضافة إلى لجنة حقوق الطفل، في ملاحظاتها الختامية الصادرة بشأن المراجعة الأولى لدولة فلسطين بشأن تقاريرها الرسمية الأولية لكافة الاتفاقيات ذات العلاقة، وذلك في الأعوام 2018، و2019، و2020 على التوالي.
وعليه، تجدد مؤسسة الحق تأكيدها على ما يلي:
- ضرورة اتخاذ تدابير جادة ومنظمة وفعالة لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني وفقًا لأسس الديموقراطية واحترام التنوع السياسي، والقيم الدستورية، لاسيما سيادة القانون والفصل بين السلطات.
- إصدار مرسوم رئاسي بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية المتزامنة، في الضفة الغربية وقطاع غزة. بالإضافة لتمكين الشعب الفلسطيني وخاصة فئة الشباب من حقهم في ممارسة حقوقهم السياسية، وضمان تهيئة أجواء ديمقراطية لإجراء الانتخابات العامة واحترام نتائجها والمحافظة على استمرارها.
- قيام مجلس تشريعي منتخب، يراعى فيه التمثيل العادل للمرأة الفلسطينية، بمراجعة كافة التشريعات الصادرة خلال فترة تعطل البرلمان الفلسطيني منذ العام 2007، وذلك لاعتمادها أو تعديلها أو إلغائها، استكمالًا لعملية توحيد التشريعات التي باشرها البرلمان الفلسطيني الأول العام 1996، وذلك وفقًا لالتزامات دولة فلسطين المترتبة على انضمامها لاتفاقيات حقوق الإنسان.
- ضمان إنصاف كل من تعرضت حقوقه وحرياته الأساسية للانتهاكات خلال فترة تعطل البرلمان الثاني ونتيجته، ومحاسبة القائمين عليها.
-انتهى-