إعداد:
د. عصام عابدين
كانون الثاني
2020
الملخص
انضمت دولة فلسطين إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب في 28 كانون الأول/ديسمبر 2017 وهو لا يُجيز للدول إبداء أية تحفظات عليه، وسبق وأن انضمت إلى اتفاقية مناهضة التعذيب في الأول من نيسان/أبريل 2014 بدون تحفظات، بما يتطلب تعريف وتجريم التعذيب وفرض عقوبات جنائية رادعة تتناسب وطبيعته الخطيرة، وتحقيقات فعّالة، ومحاسبة جادة، وإنصاف للضحايا، وإصلاح في نظام العدالة الجنائية.
أصبح لِزاماً على دولة فلسطين، تشكيل الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة؛ في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال سنة من تاريخ نفاذ البروتوكول على الأرض الفلسطينية؛ الذي نفذ فعلياً في اليوم الثلاثين من تاريخ الانضمام. يمتاز هذا البروتوكول، عن غيره من البروتوكولات الدولية، بأنه، تنفيذي بكل معنى الكلمة، وفريد من نوعه، في مجال الوقاية والحماية من أشكال التعذيب وسوء المعاملة كافة داخل مراكز الاحتجاز كافة.
يقوم هذا البروتوكول، على تصميم وتنفيذ نظام زيارات مُنتظمة وفجائية فعّالة تستهدف مراكز الاحتجاز؛ سواء أكانت تلك المراكز شرعية، أم غير شرعية، وسواء أجرى الاحتجاز بصورة مشروعة (أمر قضائي) أم غير مشروعة، وتتم الزيارات من خلال خبراء دوليين يمثلون اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب وسوء المعاملة (SPT)، ونظرائهم الخبراء المحليين الذي يمثلون الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة (NPM) يعملون على إيقاع، مُتناغم ومُتناسق، وعلى نحو غير مقيّد، في النهار أو الليل، ودون تواجد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون خلال الزيارات، إنه نظام عالمي بامتياز، فعّال، في الوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة.
يسعى هذا "النظام" لتعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم بشكل رسمي أو فعلي (de facto) من أشكال التعذيب وسوء المعاملة كافة، على الإقليم الذي يخضع لولاية الدولة، من خلال برنامج مُفصّل للزيارات، يرمي للحصول على تحليل مُفصّل لنظام الاحتجاز، وتحديد الأسباب، التي تؤدي، أو قد تؤدي، مستقبلاً، إلى وقوع التعذيب أو سوء المعاملة، بما يشمل ظروف الاحتجاز دون مستوى المعايير الدولية المطلوبة، والدخول في حوار بنّاء مع السلطات المعنية وتقديم توصيات بشأن كيفية تولي أو معالجة تلك الأسباب على المستويات التطبيقية والمعيارية، وتقديم إقتراحات تتعلق بتشريعات قائمة أو مشاريع قوانين، لتحقيق الوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، على قاعدة الحظر الشامل، ومحاسبة مرتكبيه، والإنصاف الفعّال للضحايا، والإصلاح الجنائي.
تلعب الاستقلالية، الإدارية والمالية، والشخصية والمؤسساتية، والخبرة والدراية المتخصصة والمتنوعة، دوراً حاسماً، في نجاح، أو فشل، الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة، في تحقيق أهدافها وغاياتها الواردة في البروتوكول، أياً كان شكلها الهيكلي، وتكتسب أهمية خاصة في الحالة الفلسطينية، في ظل الانقسام الداخلي وتبعاته، وفقدان الثقة المتبادل، وبذلك، تغدو الاستقلالية التامة والاحترافية في الأداء ذات قيمة عالية، للثقة بخبراء الآلية الوقائية الوطنية، وتمكينهم من تصميم وتنفيذ زيارات منتظمة وفجائية فعّالة تطال مراكز الاحتجاز في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء، والدخول في حوارات بنّاءة مع السلطات المعنية، بنتيجة الزيارات بهدف تحسين أوضاع وظروف المحتجزين في الضفة والقطاع، وتقديم تقارير سنوية ودورية بنتيجة الزيارات للجهات المعنية، ونشرها، بشفافية ومصداقية ومهنية، تعزيزاً للرقابة المجتمعية على الأداء.
يتمتع خبراء اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة، وخبراء الآلية الوقائية الوطنية، لمنع التعذيب وسوء المعاملة، بامتيازات وحصانات الأمم المتحدة، بموجب البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية، وتشمل الحصانة المبلغين عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة؛ سواءً أكانوا المحتجزين أنفسهم، أم الموظفين الرسميين المكلفين بإنفاذ القانون، أم غيرهم، وسواء أكانت المعلومات التي قدموها للآلية الوقائية الوطنية صحيحة أم خاطئة، لأن تقييمها ومتابعتها، يعود لخبراء الآلية الوقائية الوطنية، على أن لا تُقدم المعلومات بهدف التضليل المتعمد، ولكي يشعر الجميع بالراحة والثقة بالآلية الوقائية الوطنية، فإن البيانات الشخصية لا تُنشر من قبل الآلية، والحصانة التي تتمتع بها، والاستقلالية والمصداقية والخبرة التي يتوجب أن يتمتع أعضاؤها بها، هي الضامن.
وفقاً للمبادىء التوجيهية الدولية، فإن الآلية الوقائية الوطنية المستقلة تُنظم على المستوى الدستوري أو بقانون، يتوجب إجراء مشاورات وطنية واسعة النطاق ضماناً لشفافية واستقلالية وفعالية الآلية وبرنامج نظام زيارات مراكز الاحتجاز (الدورية والفجائية) المستدام، بحيث يشارك في المشاورات كافة العاملين في هذا المجال متعدد المهام والاختصاصات؛ بما يشمل الجهات الرسمية، والأحزاب السياسية؛ موالاة ومعارضة، ومؤسسات المجتمع المدني، والخبراء والمختصصين في المجال، والمؤسسات التي تعمل على زيارة مراكز الاحتجاز، والجهات المعنية كافة، في الضفة وغزة، وصولاً إلى "توافق وطني" على قانون للآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة في فلسطين، منسجم، مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية ذات الصلة.
تحتاج مسودة القرار بقانون لسنة 2019 بشأن الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، التي جرت عليها مشاورات مؤخراً في الضفة الغربية، إلى توسيع دائرة المشاورات بشأنها، وأن تشمل قطاع غزة، وما زالت تحتاج إلى تعديلات جوهرية؛ لانسجامها بالكامل مع البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية والممارسات الفضلى.
المجلس التشريعي، ينبغي، أن يلعب دوراً على مستوى إنشاء وتحديد الآلية الوقائية الوطنية، وينبغي التفريق بين غياب المجلس التشريعي وتغييبه في النصوص القانونية. هذه الورقة، تضمنت ملاحظات جوهرية على مسودة المشروع، ودور المجلس التشريعي، بالتزامن، مع ضرورة إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات الرئاسية والتشريعية، للخروج من الأزمة التي يُعاني منها النظام السياسي الفلسطيني وحالة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة حرة وشفافة لتمكين المواطنين الفلسطينيين من حقهم الدستوري والقانوني في اختيار ممثليهم بحرية، واحترام نتائج الانتخابات، والحفاظ على استمراريتها وانتظامها، احتراماً لسمو القانون الأساسي وإرادة المشرّع الدستوري.
إنْ نَجَح، مشروع الآلية الوقائية الوطنية، في اجتياز اختبار الاستقلالية، إدارياً ومالياً، وعلى مستوى أعضائها، على الصعيد الشخصي والمؤسساتي، ووضع الأسس والمعايير الواضحة والمحددة في مجال نوعية الخبرة والدراية والتخصصية المطلوبة، في كل عضو من أعضاء الآلية، واختيارهم بشفافية على هذا الأساس، ومراعاة الأبعاد الجنسانية، والتوزيع الجغرافي العادل، والحصانة المطلوبة بموجب البروتوكول ضماناً لاستقلالية خبراء الآلية الوقائية الوطنية وفعالية الأداء، وتمكينها من ممارسة مهامها وصلاحياتها كاملة، في الضفة والقطاع، فإن خبراء الآلية الوقائية الوطنية (NPM) ونظرائهم خبراء اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة (SPT) سيتمكنون من بناء وتنفيذ نظام فعّال ومتناسق لزيارات مراكز الاحتجاز في الضفة والقطاع، للوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، وسيكون "خبراء الآلية الفلسطينيين" الأمل الكبير، للضحايا، وذويهم، والناس، في مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، والإنصاف الفعّال، واحترام الكرامة داخل مراكز الاحتجاز، وسيبنون إرثاً محل فخر واعتزاز.
إنْ فَشَل، مشروع الآلية الوقائية الوطنية، في اجتياز اختبار الاستقلالية، والحرفية في الأداء، وما ذُكر، وجرى تفريغ متطلبات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية والممارسات الفضلى من نصوص المشروع، فإن الآلية الوقائية الوطنية ستتحول إلى جسم إضافي (عبء إضافي) على حساب معاناة ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، وذويهم، وتتلاشى ثقة الناس بهم. وانطلاقة الآلية ستحدد مصيرها ومستقبلها.
ينبغي على دولة فلسطين أن تُعلن عن الآلية الوقائية الوطنية إعلاناً رسمياً باعتبارها كذلك على الصعيد الوطني، وأن تُخطِر اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة فوراً بالهيئة التي عُينت لتكون الآلية الوقائية الوطنية.
سيواجه، خبراء الآلية الوقائية الوطنية، العديد من الأسئلة، في عملهم المهني، قد تكون إجاباتها في نصوص البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية، وقد لا تكون، بجميع الأحوال، عليهم أن يتأملوا هذا البروتوكول التنفيذي الفريد من نوعه، بعمق، ويبحثوا عن الإجابات من وحيه، وعالمية حقوق الإنسان التي لا تتجزأ، وخبرتهم المهنية.
المقدمة
وجهت وزارة الداخلية الفلسطينية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان دعوة خطية إلى مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في مشاورات وطنية على مسودة القرار بقانون لسنة 2019 بشأن إنشاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، جرت المشاورات يوم الأربعاء بتاريخ 13/11/2019، وقد ورد في نص الدعوة بأن "هذه المسودة استندت على انضمام دولة فلسطين للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضرورب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بعد توقيع السيد الرئيس محمود عباس بتاريخ 28/12/2017 وهو ما تطلب التزام دولة فلسطين بإنشاء الآلية الوطنية الوقائية لمنع التعذيب".
وأوضحت الدعوة أنه "على ضوء ذلك قام مجلس الوزراء بتاريخ 26/10/2018 بتشكيل الفريق الحكومي لمتابعة إنشاء الآلية. وبتاريخ 19/8/2019 تم اعتماد الآلية كهيئة مستقلة". وورد أيضاً أن "الفريق الحكومي قام بإنجاز مسودة قرار بقانون إنشاء الآلية وأنها مطروحة على المجتمع المدني للتشاور وإبداء الملاحظات للوصول إلى عمل جماعي مشترك بين كافة الأطراف المعنية بمنع التعذيب في دولة فلسطين. وستقوم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بصفتها عضواً مراقباً في الفريق وبالتعاون مع الحكومة الفلسطينية بقيادة المشاورات الوطنية".
أكدت دولة فلسطين في تقريرها الأولي المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة (الفقرة 131) بأن انضمام فلسطين للبروتوكول الإختياري للاتفاقية هو تعبيرٌ عن التزام الحكومة بإنشاء آلية وقائية وطنية مستقلة لمنع التعذيب (NPM) وفق متطلبات البروتوكول والتنسيق مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT).
الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب، هي نظام من الزيارات الدورية المنتظمة والفجائية، تستهدف مراكز الاحتجاز كافة، وفق البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، تقوم بها هيئات "مستقلة" خبيرة في هذا المجال للوقاية من أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة كافة.
هذا هو الهدف من البرتوكول الاختياري لمنع التعذيب الذي انضمت إليه دولة فلسطين بتاريخ 28/12/2017، وقد أكدت عليه المبادىء العامة للبروتوكول من خلال المادة (1) التي نصت على أن "الهدف من هذا البروتوكول هو إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهنية".
تتكون مسودة القرار بقانون من (18) مادة تضمنت العناوين التالية: التعريفات، إنشاء الآلية الوقائية الوطنية، أهدافها، مهامها وصلاحياتها، تشكيلها، سرية المعلومات التي تجمعها، اللجنة الوطنية التي تختار أعضاء الآلية ومهامها، معايير اختيار أعضاء الآلية، شروط العضوية وفقدانها، حصانة الأعضاء، والنظام الإداري والمالي للآلية.
ملاحظات على مسودة القرار بقانون
استناداً إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والمعايير الدولية والقواعد الأساسية لإنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، وبعد الاطلاع على مسودة القرار بقانون لسنة 2019 بشأن إنشاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، نُبدي الملاحظات التالية:
1. ضرورة توسيع دائرة المشاورات الوطنية على مسودة القرار بقانون لسنة 2019 بشأن إنشاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، كون ولاية الآلية الوقائية الوطنية ينبغي أن تشمل الضفة والقطاع، بما يكفل انخراط مختلف الشرائح والقطاعات والأشخاص المعنيين بهذا المجال، والخبرات الفنية والتخصصية في عمل الآلية الوقائية الوطنية، وممثلي الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة للسلطات المعنية في الضفة والقطاع، والأكاديميين، والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، في حوار وطني بنّاء وصولاً إلى "توافق وطني" على قانون لإنشاء آلية وقائية وطنية فعّالة لمنع أشكال التعذيب وسوء المعاملة كافة.[1]
2. مسودة مشروع القرار بقانون غير مُرفقة "بمذكرة إيضاحية"[2] توضّح فلسفة وأهداف وغايات المشروع في ضوء انضمام دولة فلسطين للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية ذات الصلة، وأبرز معالم المشروع وبخاصة المنهجية المتبعة في إعداد المسودة ككل، وما يتعلق باستقلالية ومهنية الآلية الوقائية الوطنية، وكيفية بناء نظام زيارات فعّال للآلية، والأسس والمعايير المتبعة في تحديد عضوية الآلية، وحصاناتها، ومراكز الاحتجاز، وتمويل الآلية الوقائية الوطنية، وعلاقتها مع اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهنية (يُشار إليها لاحقاً باللجنة الفرعية لمنع التعذيب)، ومسائل ذات صلة، في ضوء البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية. ومن الضروري أن تتضمن المذكرة الإيضاحية تقييم أثر المشروع (الاجتماعي والسياسي والمالي ..) أي قياس الأثر[3]. إن غياب مذكرة إيضاحية، مُرفقة بمسودة المشروع، مخالفٌ للخطة التشريعية للحكومة، التي نصت على أن "تُقدَم التشريعات مُرفقة بالمذكرة الإيضاحية للمشروع والتقارير المتعلقة باللقاءات وورشات العمل التي تقوم بها الجهة المقدمة للمشروع"[4].
3. وردت المادة (69/أ) من القانون الأساسي المعدل في مطلع مسودة مشروع القرار بقانون لسنة 2019 بإنشاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، ضمن الأسانيد القانونية لإصداره، وبالرجوع إلى النص الدستوري المذكور فقد جاء بالآتي "يختص مجلس الوزراء بإنشاء أو إلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري التي يشملها الجهاز التنفيذي التابع للحكومة، على أن ينظم كل منها بقانون". إن الإستناد للنص الدستوي المذكور، في إنشاء الآلية الوقائية الوطنية، من شأنه أن يجعل الآلية تابعة للحكومة، وأن يمنح الحكومة صلاحية إنشاء وإلغاء الآلية الوقائية الوطنية، بما يتعارض مع استقلالية الآلية المؤكد عليها في المواد (1) و (18) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وبالتالي، فإن الاستناد للمادة (69/أ) من القانون الأساسي لإنشاء الآلية مخالفٌ للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
ينبغي، التعامل، مع إنشاء الآلية الوقائية الوطنية، على غرار التعامل مع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ولجنة الانتخابات المركزية، في الحالة الفلسطينية، في مسألة الاستقلالية عن السلطة التنفيذية. وهذا ما أكدته المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية بقولها "ينبغي ضمان استقلال عمل الآلية الوقائية الوطنية"[5].
4. حملت مسودة المشروع تسمية "الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين"، وعرّفت المادة (1) من المسودة الآلية بأنها "الآلية الوطنية الوقائية لمنع التعذيب"، ونصت المادة (2) الواردة تحت عنوان إنشاء الآلية، وتحديداً البند (1) من النص على أن "تنشأ بمقتضى أحكام هذا القرار بقانون هيئة وطنية تسمى الآلية الوطنية الوقائية لمنع التعذيب". إنَّ تسمية المشروع، وتعريف الآلية، يتناول التعذيب فقط، دون سوء المعاملة، في حين أن اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري اللذين إنضمت إليهما دولة فلسطين يشملان، في التسمية، والمضمون، والحظر، كل من التعذيب وسوء المعاملة على السواء. مع الإشارة إلى أن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب تشمل في تسميتها بموجب المادة (2) من البروتوكول (التعذيب وسوء المعاملة) والإشارة إليها في البروتوكول باسم اللجنة الفرعية لمنع التعذيب يعود للإيجاز في صياغة مواد البروتوكول الاختياري كما يتضح من النص المذكور.
ولكي لا يُفهم من التسمية، وتعريف وإنشاء الآلية الوقائية الوطنية، أن مهامها تقتصر على التعذيب فقط الذي يُمارس داخل مراكز الاحتجاز، ولا تشمل سوء المعاملة، فإنه من الضروري أن تحمل التسمية "الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة في فلسطين" كون كل منهما محظور ويدخل في ولاية الآلية الوقائية الوطنية.
5. عرّفت المادة (1) من مسودة مشروع القرار بقانون أماكن الحرمان من الحرية بأنها "جميع الأماكن الرسمية التي يتم فيها احتجاز الشخص وحرمانه من حريته بما فيها مراكز الإصلاح والتأهيل ومراكز التوقيف ودور الإيواء ومستشفيات الأمراض العقلية ووسائل نقل المحتجزين التي تتواجد في أي مكان يخضع للاختصاص القضائي لدولة فلسطين أو سيطرتها الفعلية". يتضح من النص أنه يحصر أماكن الحرمان من الحرية بالأماكن الرسمية.
إنَّ حصر أماكن الحرمان من الحرية بالأماكن "الرسمية" في التعريف غير كاف، ومخالف لأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وبهذا الخصوص يؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية على أن "إعطاء الحق للآليات الوقائية الوطنية في زيارة الأماكن التي حددتها الحكومة رسمياً غير كاف أبداً .. يجب أن يكون للآلية الوقائية الوطنية أيضاً حق الوصول إلى أماكن الاحتجاز غير الشرعية، وأي مكان يمكن احتجاز الشخص فيه لأسباب تتعلق بالسلطات العامة، حتى ولو لم يأمر بذلك فعلياً مسؤول عام وبشكل رسمي"[6].
6. تنص المادة (2) فقرة (3) من مسودة مشروع القرار بقانون على أن "يكون للآلية مركز مالي مستقل في الموازنة العامة". هذا النص، على هذا النحو، غير واضح، ومن شأنه أن يؤدي لإضعاف الآلية الوقائية الوطنية وقد يؤدي إلى شل عملها، إنْ كان المقصود منه حصر الموارد المالية للآلية بالمخصصات المالية في الموازنة العامة فقط، وبالتالي إمكانية التحكم بالآلية من خلال المخصص المالي؛ سواء عبر تقليص موازنتها المالية أو التباطؤ في الحوالات المالية وأوامر الصرف المالية للآلية الوقائية الوطنية من قبل وزارة المالية، الأمر الذي قد يُعرض برامجها وبخاصة الجانب المتعلق بنظام زيارات فعّال، ومستدام، في الضفة والقطاع، للخطر، وذلك في ضوء التجارب العملية خلال السنوات السابقة التي تُشير بوضوح بأن تنفيذ الموازنة العامة الفلسطينية وأوامر الصرف والحوالات المالية من وزارة المالية، غير منتظمة، تجاه العديد من المراكز المالية المُدرجة على الموازنة.
وقد أكدت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب على أنه "ينبغي توفير الموارد الكافية ليتسنى للآلية الوقائية الوطنية العمل بفعالية وفقاً لمقتضيات البروتوكول الاختياري"[7]. وأنه "ينبغي أن تتمتع الآلية بالاستقلال المالي والتنفيذي لدى الاضطلاع بمهامها بموجب البروتوكول التنفيذي"[8]. وبالتالي من الضروري أن يضمن المشروع توفر الموارد المالية والاستقلالية المالية والإدارية للآلية.
على سبيل المثال، نجد أن القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة ينص في المادة (12) الواردة تحت عنوان، استقلالية اللجنة، على أن "1. تتمتع اللجنة [لجنة الانتخابات المركزية] بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي 2. تُخصص للجنة موازنة ترد كمركز مالي مستقل في الموازنة العامة". ومع ذلك، فإن لجنة الانتخابات المركزية تُعاني كثيراً من تأخر الحوالات المالية المخصصة لها في الموازنة العامة من قبل وزارة المالية في مرحلة تنفيذ الموازنة، واللجنة تتلقى تمويلاً غير مشروط لتنفيذ مهامها على الوجه الأكمل.
ينبغي أن يأخذ نص المادة (2) فقرة (3) من المسودة، بالاعتبار، استقلالية، المركز المالي، للآلية الوقائية الوطنية، في الموازنة العامة، وتمكينها من الحصول على تمويل مالي "غير مشروط" من خارج الموازنة العامة لتنفيذ برامجها وأنشطتها بفعالية، بعيداً عن أي تأثير للسلطة التنفيذية على الآلية عبر المخصص المالي في الموازنة العامة.
وبالرجوع، بهذا الخصوص، إلى القرار بقانون رقم (37) لسنة 2018 بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته نجد أنه ينص في المادة (5) فقرة (4) على ما يلي "تتكون الموارد المالية للهيئة [هيئة مكافحة الفساد] من المبالغ السنوية التي تخصص لها في الموازنة العامة، وفقاً للموازنة المعتمدة لها من قبل مجلس الوزراء بناءً على تنسيب رئيس الهيئة، وكذلك من المساعدات والتبرعات غير المشروطة التي تقدم للهيئة". وبالنتيجة، فإننا نقترح أن يأتي النص الوارد في مسودة القرار بقانون على غرار النص المذكور، وأن يكون التنسيب والحالة تلك بقرار من الآلية الوقائية الوطنية حفاظاً على المأسسة وفعّالية عمل الآلية الوقائية الوطنية.
هذا وقد أكدت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية على أنه "ينبغي للآلية الوقائية لمنع التعذيب أن تضع خطة عمل أو برنامج عمل يشمل، بمرور الوقت، زيارات لجميع ما يخضع لولاية الدولة من أماكن الحرمان من الحرية أو أي مكان يُشتبه في كونه كذلك"[9]. وحيث أن ولاية الآلية الوقائية الوطنية تشمل كافة أماكن الحرمان من الحرية في الضفة والقطاع فينبغي أن تملك الموارد اللازمة للقيام بمهامها على الوجه الأكمل.
7. تنص المادة (2) فقرة (4) من مسودة المشروع على ما يلي "تخضع الآلية [الآلية الوقائية الوطنية] للجهات الرقابية ديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد". هذا النص، يتخطى، البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي تمنح الآلية الوقائية الوطنية (NPM) امتيازات وحصانات الأمم المتحدة وفق المادة (35) من البروتوكول والتي نصت على ما يلي "يُمنح أعضاء اللجنة الفرعية لمنع التعذيب والآليات الوقائية الوطنية الامتيازات والحصانات التي تكون لازمة لممارستهم مهامهم على نحو مستقل. ويُمنح أعضاء اللجنة الفرعية لمنع التعذيب الامتيازات والحصانات المنصوص عليها في البند 22 من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها المؤرخة في 13 شباط/فبراير 1946، رهناً بأحكام المادة 23 من الاتفاقية". لا يمكن التدخل في أيّ شأن من شؤون الآلية الوقائية الوطنية دون "إذن مُسبق" من الآلية وفق ما تقتضيه حصاناتها. كما أن البيانات الشخصية أو المهنية الحساسة التي ستتوفر لدى الآلية بنتيجة نظام الزيارات سواء من المحتجزين أو الموظفين الرسميين أو المجتمع المدني، لا يُسمح لأحد بالاطلاع عليها والتعامل معها غير الآلية، ووفق المنهجية التي يتبعها خبراء الآلية الوقائية الوطنية، وبالتالي، فإن هذا النص من شأنه أن يؤثر على الثقة بالآلية الوطنية وأدائها[10].
تنطبق البنود (22 و 23) من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي اعتمدتها الجمعية العامة بتاريخ 13 شباط 1946 ودخلت حيز النفاذ في 10 شباط 1949 على اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب لتمكينها من أداء مهامها داخل دولة فلسطين بموجب البروتوكول "ويتوجب استعمال تلك البنود من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة كنموذج للامتيازات والحصانات التي يحصل عليها أعضاء الآلية الوقائية الوطنية (NPM) خلال فترة العضوية فيما يتعلق بعملهم وبعد انتهاء العضوية فيما تَعلَّق بفترة عملهم في الآلية"[11]. وقد أكدت المبادىء التوجيهية الصادرة عن اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة على أنه "ينبغي على الدولة أن تكفل تمتع أعضاء الآلية الوقائية الوطنية وموظفيها بالامتيازات والحصانات اللازمة لأداء مهامهم على نحو مستقل"[12].
8. يتوجب النص في المشروع على حماية المبلغين عن التعذيب وسوء المعاملة وفقاً لما يتطلبه البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب؛ سواءً أكانت المعلومات التي يدلون بها للآلية الوقائية الوطنية صحيحة أم خاطئة، وذلك لأن فحص وتقييم مدى جدية وموثوقية تلك المعلومات واتخاذ الإجراء اللازم بشأنها يرجع إلى تقييم خبراء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز ومتابعة تلك المعلومات.
وهذا ما أكدت عليه بوضوح المادة (21) فقرة (1) من البروتوكول الاختياري والتي نصت على ما يلي "1. لا تأمر أي سلطة أو مسؤول بإنزال أي عقوبة بأي شخص أو منظمة أو أن يطبق عليهما العقوبة أو يسمح بها أو يتغاضى عنها بسبب قيام هذا الشخص أو هذه المنظمة بتبليغ الآلية الوقائية الوطنية بأي معلومات، صحيحة كانت أم خاطئة، ولا ينبغي أن يُضار هذا الشخص أو هذه المنظمة في غير ذلك من الأحوال بأي طريقة أياً كانت".
شددت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية على أنه "لا ينبغي للدولة أن تأمر بأيّ شكل من الأشكال العقاب أو الانتقام أو العراقيل في حق أيّ شخص أو منظمة أو تطبقها عليهما أو تسمح بها أو تتغاضى عنها بسبب اتصال ذلك الشخص أو تلك المنظمة بالآلية الوقائية الوطنية أو تزويدها بأية معلومات، صحيحة كانت أو خاطئة، ولا ينبغي المساس بذلك الشخص أو تلك المنظمة بأيّ طريقة أياً كانت"[13].
إن المظهر الأساسي لعمل الآلية الوقائية الوطنية، بمقتضى البروتوكول الاختياري، هو الطبيعة السرية، المستقلة، وغير الحكومية، التي يُقصد بها توليد جو من الانفتاح مع المحتجزين، والمسؤولين العاملين في أماكن الاحتجاز، إذ يجعلهم أكثر استعداداً للبوح بشكل طوعي بالوضع الحقيقي للمعاملة داخل مراكز الاحتجاز، ينعكس هذا الأمر في المادة (20 فقرة د)[14] والمادة (21) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب باشتراط حق الآلية الوطنية في مقابلة المحتجزين على انفراد[15]. يتوجب كفالة حق خبراء الآلية الوقائية الوطنية في مقابلة المحتجزين، ومَن يلزم مقابلته، في أي وقت، في النهار أو الليل، من أجل فعالية نظام الزيارات وإنصاف الضحايا. ينبغي، أن يتم فهم سرية البيانات، على أن المقصود بها البيانات الشخصية أو التي يرغب مَن يتعامل مع الآلية الوقائية الوطنية في أن تبقى سرية، والأصلُ أن تكون التقارير والرسائل والبيانات التي تصدر عن الآلية الوقائية الوطنية مُتاحة للجميع كما ينص البروتوكول[16]، وإعمالاً لحق الناس في الوصول للمعلومات كالتزام بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا ما سيتم تسليط الضوء عليه خلال الملاحظات.
9. تنص المادة (3) من المسودة على ما يلي "تهدف الآلية إلى تحقيق الأهداف الآتية: 1. تحقيق الانسجام التشريعي لضمان حظر وتجريم التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة 2. ضمان الوقاية من التعذيب وحظره وغيره من ضروب إساءة المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة 3. إقرار الوسائل والتدابير للوقاية من التعذيب وإساءة المعاملة". من الضروري، إضافة أهداف أساسية أخرى للآلية، يتضمنها البروتوكول الاختياري، وتتمثل في: تصميم وتنفيذ برنامج فعّال ومستدام لزيارات أماكن الحرمان من الحرية للوقاية من التعذيب وسوء المعاملة وتعزيز حماية المحرومين من حريتهم والوصول إلى سبل الانتصاف الفعّال. الدخول في حوارات بنّاءة مع السلطات المعنية لتحسين معاملة وأوضاع المحرومين من حريتهم ومنع التعذيب وسوء المعاملة بأشكاله كافة على قاعدة الحظر المطلق. ضمان استقلالية الآلية الوقائية الوطنية والامتثال للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية في الممارسة العملية.
10. تنص المادة (4) من مسودة القرار بقانون على ما يلي" تتولى الآلية المهام والصلاحيات الآتية: 1. القيام بزيارات دورية منتظمة أو فجائية من دون سابق إعلام لأماكن الحرمان من الحرية 2. الدخول غير المقيد إلى جميع مرافق أماكن الحرمان من الحرية دون استثناء 3. الحصول غير المقيد على جميع المعلومات والبيانات والوثائق والتقارير المتعلقة بعدد وأسماء الأشخاص المحرومين من حريتهم، وظروف احتجازهم، وأماكن الحرمان من الحرية وعددها ومواقعها 4. إجراء المقابلات مع الأشخاص المحرومين من حريتهم بصفة شخصية أو جماعية، وبحضور مترجم مُحلف إذا لزم الأمر، دون تواجد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون أو جهة أخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا توجد لدى النزيل رغبة بمقابلتهم 5. إجراء مقابلات مع أي شخص يمكن أن يقدم معلومات ذات علاقة باختصاص الآلية 6. الوصول غير المقيد لكافة المعلومات المتعلقة بجمع الاستدلالات والتحقيقات الابتدائية التي تجريها النيابة العامة أو مرحلة إجراءات المحاكمة 7. تقديم التوصيات الناتجة عن الزيارات للجهات الرسمية ذات العلاقة لمنع التعذيب ومتابعة تنفيذها 8. رفع التقرير السنوي لرئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس التشريعي ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام 9. تقديم اقتراحات وملاحظات تتعلق بالتشريعات القائمة أو بمشاريع القوانين ذات العلاقة بمناهضة التعذيب 10. المساهمة في رفع الوعي بجريمة التعذيب وإساءة المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة 11. إبرام التفاهمات والاتفاقيات مع جهات الاختصاص والتنسيق والتعاون مع كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على المستوى الوطني والدولي 12. إعداد الموازنة السنوية للآلية 13. إعداد الهيكل التنظيمي لعمل الآلية 14. التعاقد مع خبراء وكوادر فنية 15. إصدار التعليمات الداخلية والقرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القرار بقانون".
ينبغي تعديل، هذا النص، بإضافة بند يؤكد بوضوح على نشر التقارير السنوية والدورية (تقارير الزيارات) الصادرة عن الآلية الوقائية الوطنية والمعلومات التي تراها الآلية ضرورية في مجال عملها، بما يضمن شفافية وفعالية عملها، واحترام الحق في الحصول على المعلومات المؤكد عليه في المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين والتعليق العام رقم (34) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن الحق بالحصول على المعلومات باعتباره حق أساسي وطبيعي من حقوق الإنسان.
وهذا ما أكده بوضوح دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية "من أجل ضمان التحسين الدائم والداعم للأشخاص المحرومين من حريتهم وظروف احتجازهم؛ يجب أن تكون للآلية الوقائية الوطنية القدرة على تقديم التقارير ونشر أبحاثها ونتائج ما توصلت إليه"[17]. ويتضح من المادة (23) من البروتوكول الاختياري بأن هذا الحق لا يقتصر على الآلية الوقائية الوطنية وإنما يقع لزاماً على الدولة أن تحرص على تمكين الآلية من القيام به.
وقد شددت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة بأنه "ينبغي على الدولة أن تنشر التقارير السنوية الصادرة عن الآلية الوقائية الوطنية وتوزعها على نطاق واسع. كما ينبغي أن تكفل أن تطلع عليها الجمعية التشريعية الوطنية أو البرلمان ويناقشها. وينبغي أيضاً أن تُحال التقارير الوطنية الصادرة عن الآلية إلى اللجنة الفرعية التي تتخذ الترتيبات اللازمة لنشرها على موقعها الشبكي"[18].
هناك حاجة أيضاً لإضافة بند بشأن حق الآلية الوقائية الوطنية في تنظيم جلسات استماع ودعوة الأطراف المعنية بموضوع الانتهاكات المتمثلة بالتعذيب وسوء المعاملة وكل شخص ترى فائدة من الاستماع إليه.
وضرورة تعديل البند (1) من المادة (4) من المسودة بشأن صلاحية الآلية الوقائية الوطنية في القيام بزيارات دورية منتظمة أو فجائية من دون سابق إعلام لأماكن الحرمان من الحرية، والبند (2) من المادة (4) بشأن صلاحية الآلية في الدخول غير المقيد إلى جميع مرافق أماكن الحرمان من الحرية دون استثناء. بحيث يتم النص صراحة على عبارة "الدخول غير المقيد في أي وقت زمني" لأماكن الحرمان من الحرية ومرافقها كافة في البندين المذكورين. وذلك لأن البروتوكول الاختياري يمنح الحق للجنة الفرعية لمنع التعذيب والآلية الوقائية الوطنية في الوصول "غير المقيد" لأماكن الاحتجاز ومرافقها كافة، سواء في النهار أو في الليل، وهذه الصلاحيات مؤكد عليها في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب في المادة (14) لجهة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب والمادة (20) لجهة الآلية الوقائية الوطنية. وينبغي النص أيضاً على هذه الصلاحية في المسودة للجنة الفرعية للأمم المتحدة.
تؤكد المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة أنه "ينبغي على الدولة أن تكفل قدرة الآلية الوقائية الوطنية على إجراء زيارات بالطريقة والوتيرة اللتين تقررهما الآلية بنفسها. ويشمل ذلك القدرة على إجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حريتهم، والحق في القيام بزيارات غير مُعلنة، في جميع الأوقات، ولجميع أماكن الحرمان من الحرية، وفقاً لأحكام البروتوكول الاختياري[19].
كما ويؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية بشأن صلاحية الآلية الوقائية الوطنية في الوصول غير المقيد لأماكن الاحتجاز كافة (بمفهومها الواسع الوارد في البروتوكول) بموجب المادة (14) من البروتوكول الاختياري لمنع التعذيب على أنه "لا يمكن لأية ظروف أن تسمح ولو حتى باعتراض مؤقت من الحكومة لأيّ زيارة تقوم بها الآلية الوقائية الوطنية، إذ أنها مخولة بالوصول إلى أماكن الاحتجاز في أي وقت من الليل أو النهار"[20].
وقد أكدت اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في برلمان المملكة المتحدة في العام 2006 على أن "قوة التفتيش غير المعلن هي صمان أمان حيوي لعمل الآلية الوقائية الوطنية بمقتضى البروتوكول الاختياري لمنع التعذيب"[21].
هنالك ضرورة أيضاً لتعديل البند رقم (4) من المادة (4) من مسودة القرار بقانون الذي ينص على صلاحية الآلية الوقائية الوطنية بإجراء المقابلات مع الأشخاص المحرومين من حريتهم دون تواجد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ولا توجد لدى النزيل رغبة بمقابلتهم. وذلك بحذف عبارة "لدى النزيل" من البند المذكور ليصبح "لا توجد رغبة بمقابلتهم" أي لا توجد رغبة سواء لدى الآلية الوقائية الوطنية أو النزيل بمقابلتهم. وذلك لأنه يمكن مثلاً الضغط على النزيل من الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون لإبداء رغبته في تواجدهم خلال مقابلته مع الآلية الوقائية الوطنية داخل مركز الاحتجاز، بما يُفقد الزيارة مغزاها، ومعرفة حقيقة ما جرى داخل مركز الاحتجاز. وضرورة إضافة حظر "التنصُّت" من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون خلال زيارة الآلية الوقائية الوطنية.
وضرورة إضافة "النيابة العسكرية والقضاء العسكري" فيما يتعلق بصلاحية الآلية الوقائية الوطنية في الوصول غير المقيد لكافة المعلومات المتعلقة بجمع الاستدلالات والتحقيقات الابتدائية وإجراءات المحاكمة ورفع التقرير السنوي للهيئة الواردة في البندين (6) و (8) من المسودة، كون ولاية الآلية الوقائية الوطنية تشمل كافة أماكن الاحتجاز المدنية والعسكرية بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وفيما يخص البند (8) المتعلق برفع التقارير الآلية فينبغي أن يشمل أيضاً، التقارير الدورية، وأن لا يقتصر فقط على التقارير السنوية.
وقد أكدت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في تقريرها بشأن زيارتها للآلية الوقائية الوطنية للجمهورية التونسية بتاريخ 14/4/2016 على أن "كون أماكن الاحتجاز المشمولة بولاية وزارة الداخلية ووزارة الدفاع أو الخاضعة لسيطرتهما، ولا سيما مراكز الشرطة والسجون العسكرية، غير مذكورة صراحة في الفصل 2 من القانون الأساسي[22]، ما قد يفضي إلى تفسيرات تقييدية لسلطات الآلية الوقائية الوطنية ويؤثر بشكل مباشر في ولايتها وعملها"[23]. ما يعني، بوضوح، وفقاً للجنة الفرعية، ضرورة النص في المشروع على خضوع السجون العسكرية الفلسطينية لولاية الآلية الوقائية الوطنية وممارسة خبراء الآلية ولايتهم عليها في الزيارات الدورية والفُجائية.
11. ضرورة النص على تحديد فترة زمنية قصيرة للسلطات المختصة في الدولة للإجابة على مراسلات وتوصيات الآلية الوقائية الوطنية، ومنح الآلية الصلاحيات اللازمة بهذا الخصوص، منعاً لأية مماطلة أو تسويف في الإجابة على مراسلات وتقارير الآلية الوقائية الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الخطيرة لجرائم التعذيب[24].
يؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية على أنه "يجب أن يكون لدى السلطات المستلمة واجب ارتباط بمقتضى القانون الوطني للإجابة على التوصيات، وإذا لم تجد في نفسها الكفاءة لتطبيق التوصيات المذكورة عليها تعيين وتحديد وإحالة التوصيات إلى سلطة أخرى كفؤة يكون عليها واجب الرد"[25]. ويؤكد الدليل أيضاً "يجب أن يسمح التشريع، الذي يمنح السلطة للآلية الوقائية الوطنية، لهذه الآلية بتحديد فترة زمنية تنتظر فيها الجواب والحوار مع المسؤولين المختصين"[26]. وبالتالي، يتوجب أن يتضمن مشروع قانون الآلية الوقائية الوطنية تحديد فترة زمنية قصيرة للرد وأن يمنح الآلية صلاحيات واسعة في تحديد الفترة الزمنية اللازمة للرد على ملاحظاتها وتوصياتها نظراً للطبيعة الخطيرة لجرائم التعذيب، وعملاً بقاعدة الحظر المطلق لتلك الجرائم، ولتمكين الآلية الوقائية الوطنية من أداء مهامها ومسؤولياتها بفعالية واحترافية وعلى الوجه الأكمل.
12. ضرورة النص، في مسودة القرار بقانون، على تجريم أيّ امتناع أو عرقلة لمهام الآلية الوقائية الوطنية من قبل السلطات المختصة، بهدف ضمان احترام ولايتها ومهامها وصلاحياتها، وتنفيذها على أرض الواقع، وذلك لأن غياب النصوص القانونية التي تضمن المساءلة والمحاسبة في حال امتناع جهات الاختصاص أو قيامها بعرقلة أو التباطؤ في متابعة مهام وصلاحيات الآلية الوقائية الوطنية، بشأن جرائم التعذيب وسوء المعاملة داخل أماكن الحرمان من الحرية، من شأنه أن يُضعف، إلى حد كبير، من فعالية نظام الزيارات داخل مراكز الحرمان من الحرية، وأن يُضعف من ترجمة رسائل وملاحظات وتوصيات اللجنة إلى واقع ملموس على الأرض، وأن يؤثر سلباً في الوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة وحماية المحرومين من حريتهم وإنصافهم في دولة فلسطين.
13. تنص المادة (5) من مسودة القرار بقانون، الواردة تحت عنوان تشكيل الآلية، على ما يلي "1. تتشكل الآلية من (13) عضواً من ذوي الاختصاص والخبرة على النحو الآتي: أ. أشخاص من ذوي الخبرة في المجال القانوني ب. نشطاء من مؤسسات حقوق الإنسان المتخصصة في مجال مكافحة التعذيب، وحقوق المرأة والطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة ج. أطباء مختصين بالتشريح والطب النفسي أو أي أطباء ذوي علاقة د. أخصائيين اجتماعيين من ذوي الخبرة 2. تكون مدة عضوية الأعضاء الوارد ذكرهم في الفقرة (1) من هذه المادة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط 2. يختار الأعضاء من بينهم رئيساً ونائب الرئيس 4. يصدر مرسوم رئاسي بأسماء الأعضاء بناء على تنسيب مجلس الوزراء وتوصية اللجنة الوطنية".
هذا النص يُضعف تشكيل الآلية الوقائية الوطنية (NPM) وقدرتها على تولي مهامها بمهنية وفعالية نتيجة غياب الأسس والمعايير والشروط الواضحة في اختيار الأعضاء في الآلية؛ حيث يُشير لها النص على نحو عام بما قد ينعكس على شفافية ومهنية الاختيار، كما أن هذا النص من شأنه أن يُضعف إلى حد كبير من استقلالية الآلية الوقائية الوطنية بفعل سيطرة السلطة التنفيذية على إجراءات تعيين أعضاء الآلية؛ حيث تُسيطر السلطة التنفيذية على "قرار التعيين والتنسيب الجوهري" وينحصر دور اللجنة الوطنية (سنأتي على ذكرها) وفق ما يتضح من البند (4) من النص المذكور على "التوصية" وبالتالي فإن الأخذ بالتوصية المقدمة من اللجنة الوطنية "غير ملزم" للسلطة التنفيذية، ما يعني، بالنتيجة، أن إجراءات تعيين الآلية الوقائية الوطنية تتم من قبل السلطة التنفيذية (الرئيس والحكومة) بما يتعارض مع أحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
يتوجب أن يُحدد النص، بوضوح تام، شروط ونوعية الخبرة المطلوبة، لاختيار "خبراء" الآلية الوقائية الوطنية، وأن لا يتم تعويمها في النص، ضماناً لشفافية ومهنية الاختيار، بحيث يتم الكشف عن وجودها فقط في العضو المرشح من خلال القانون في عملية التعيين، وأن تجري عملية الاختيار بعيداً عن تأثير السلطة التنفيذية بما يضمن، الاستقلالية الكاملة، للآلية، وقدرتها على القيام بمهامها بمهنية وفعالية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تؤكد المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية على أنه "ينبغي أن تُحدَّد الآلية الوقائية الوطنية عن طريق عملية مفتوحة وشفافة وشاملة تشارك فيها مجموعة واسعة من الجهات المعنية بما فيها المجتمع المدني، وينبغي أن ينطبق الأمر أيضاً على عملية اختيار أعضاء الآلية وتعيينهم، وهي عملية ينبغي أن تتم وفقاً للمعايير المحددة"[27]. وتؤكد المبادىء التوجيهية أيضاً بأنه "ينبغي أن تكون لدى جميع أعضاء الآلية الخبرة والتجربة اللازمتان ليكون أداؤها فعّالاً"[28]. وتنص كذلك على أنه "ينبغي للدولة أن تكفل استقلال الآلية وذلك بالامتناع عن تعيين أعضاء فيها يشغلون مناصب يمكن أن تُثير تضارب المصالح"[29]. وتنص أيضاً على أنه "ينبغي لأعضاء الآلية الوقائية الوطنية أن يضمنوا بدورهم عدم شغل أو حيازة مناصب تثير تساؤلات عن تضارب المصالح"[30].
تعتبر، الاستقلالية[31]، في تعيين الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة في مسار تحقيق أهدافها وغاياتها، وتواصلها مع اللجنة الفرعية للأمم المتحدة، معياراً حاسماً، في عملية تشكيل "نظام حقيقي"[32] مُنظم ومتناسق وفعّال، قائم على الشفافية والشمولية، لتعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، من منظور البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، الذي يعد بحق بروتوكولاً تنفيذياً، يختلف، على هذا الأساس، عن غيره من البروتوكولات المكملة للاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين.
وإذا كان هذا البروتوكول، يسمح للدول الأطراف، بتشكيل الآلية، بطريقة مرنة، فإنه، كما اللجنة الفرعية في الممارسة العملية، لا يتساهلون في معيار الاستقلالية في نشأة ونظام عمل الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة. وهذا ما شددت عليه، المبادىء العامة، في البروتوكول، من خلال المادة (1) التي أكدت على أن الهدف من البروتوكول يتمثل في إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة.
إنّ استقلالية الآلية الوقائية الوطنية، سوف تتزعزع، إذا كان لدى السلطة التنفيذية سلطة حلها، أو تبديلها، أو تعديل ولايتها، وتكوينها بإرادتها التامة، إنّ هذا الأمر حقيقي حتى إذا لم تكن السلطة التنفيذية تنوي أبداً ممارسة سلطة كهذه فعلياً، لأن هذه الاحتمالية هي ذاتها التي تنفي استقلالية الآليات الوقائية الوطنية[33]. يجب، لهذا السبب، أن يتم تشكيل الآلية الوقائية الوطنية وفقاً لنص دستوري أو تشريعي يشرح العناصر الأساسية بما في ذلك إجراءات التعيين، وشروط العمل، والولاية، والسلطات، والتمويل، وأنظمة ومعايير المسؤولية والمحاسبة[34].
وفي هذا الشأن، يؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية على أن "القانون الذي أوجد الآلية الوقائية الوطنية لا يُمكنُه وضع المؤسسة أو أفرادها تحت الإدارة المؤسسية لوزارة أو وزير من الحكومة أو مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. إن السلطة الوحيدة القادرة على تغيير وتعديل وجود أو ولاية أو سلطات الآلية الوقائية الوطنية يجب أن تكون، الهيئة التشريعية، بحد ذاتها. ويجب أن ينص القانون على أن الوزراء والمسؤولين لا يمكنهم إصدار تعليمات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الآلية الوقائية الوطنية"[35].
تضمن استقلالية الآلية الوقائية الوطنية، عن السلطة التنفيذية، وغيرها من السلطات والجهات الرسمية، دوراً حاسماً في تمكين خبراء الآلية الوقائية الوطنية من القيام بمهامها على الوجه الأكمل، وفعالية برنامج الزيارات في جميع أماكن الاحتجاز، بمفهومها الواسع الوارد في البروتوكول، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يشمل الزيارات الوقائية الدورية (في العمق) والتكميلية (غير المتوقعة) وتكثيف الزيارات في أماكن معينة بحسب طبيعة البرنامج والاحتياج، وهي تشكل جوهر هذا النظام، وتمويل برامج وأنشطة الآلية الوقائية الوطنية كافة، بما يشمل الحوارات البناءة مع الجهات المعنية في الضفة الغربية وقطاع غزة وما تتطلبه من تدريبات وبناء قدرات وبرامج توعوية، وكذلك التواصل الحر والمفتوح مع اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة، وتبادل الخبرات مع الدول التي تمتلك تجارب عريقة وهامة في المجال، وضمان فعالية وتناسق البرنامج في جميع أماكن الاحتجاز واستدامته.
وقد اقترح المجلس الدولي لسياسة حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن مدة ولاية الآلية بأن فترة "خمس سنوات" هي فترة معقولة كي يكون فيها أعضاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة فعّالين في أداء مهامهم، ودون التأثر بالقلق حول فرص العمل المستقبلية"[36]. وقد تناولت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة هذا الجانب بالتأكيد على أنه "ينبغي أن تكون فترات الولاية التي يمكن تجديدها كافية لتعزيز استقلال أداء الآلية"[37].
هذا مع الانتباه، إلى أن البند (2) من المادة (5) من مسودة المشروع الذي يتحدث عن مدة العضوية في الآلية الوقائية الوطنية يوحي بأن تشكيل الآلية ينتهي بانتهاء مدة العضوية المبينة في البند المذكور، كونه لا يتحدث، كما المشروع بأكمله، عن آلية اختيار الأعضاء الجدد بعد انتهاء مدة العضوية المبينة في النص القانوني المذكور.
14. تنص المادة (6) من مسودة القرار بقانون على ما يلي "1. تكون المعلومات التي تجمعها الآلية سرية 2. يحظر نشر أي بيانات شخصية إلا في إحدى الحالات الآتية: أ. موافقة صريحة من الشخص ب. بموجب أمر قضائي".
هذا النص يتعارض بشكل صارخ مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، ومن شأنه أن يُفرّغ اتفاقية مناهضة التعذيب، والآلية الوقائية الوطنية، من مضمونها، ويتعارض مع الحق في الحصول على المعلومات. إنَّ التقارير والتوصيات والدراسات والأبحاث التي يقوم بها خبراء الآلية الوقائية الوطنية من أجل الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة في أماكن الحرمان من الحرية في الضفة الغربية وقطاع غزة ينبغي أن تكون مُتاحة للناس للرقابة على مدى شفافية ومهنية وفعالية أداء الآلية، بما يُحقق الرقابة المجتمعية على أدائها، والثقة بأدائها، في الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة وحماية المحرومين من حريتهم وتحقيق متطلبات الإصلاح.
كما أن البيانات الشخصية للمحتجزين؛ تتطلب موافقتهم فقط، ولا تحتاج إلى أمر قضائي، ولا أساس ولا مبرر لهذا الاشتراط في المسودة. كونه، يعني، أنه لو وافق الضحية على نشر البيانات الشخصية، وعارضها القضاء، فإنها لن تُنشر لعدم تحقق هذا الشرط، بما يؤثر سلباً في ثقة الضحايا بخبراء الآلية الوقائية الوطنية، كون هذا الاشتراط من شأنه أن يتخطى إرادة الضحية، وإرادة الآلية الوقائية الوطنية، ومخالفٌ للبروتوكول الاختياري.
يؤكد دليل الآليات الوقائية الوطنية على أنه "يجب أن يكون للآلية الوقائية الوطنية المقدرة على تقديم الاقتراحات والملاحظات المتعلقة بالتشريعات السارية، أو مشروعات القوانين، سواءً في تقريرها السنوي، أو في التقارير الخاصة بالزيارات، أو في تقارير خاصة منفصلة ومستقلة"[38]. ويؤكد الدليل أيضاً " لا شيء، في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، يُعيق الآلية الوقائية الوطنية عن تقديم تقارير أخرى، خاصة تقارير الزيارة الفردية، والعامة، مثلاً، كما أن التقارير التي تُبرز من خلال عدد من المؤسسات قد تقود الآلية الوقائية الوطنية إلى إصدار تقرير موضوعي، ولا يمكن لهذه التقارير أن تحتوي على بيانات شخصية دون الموافقة الصريحة والواضحة من الشخص المعني [الذي وقع عليه الانتهاك] ولكن يجب أن تشتمل تقارير الآلية الوقائية الوطنية على معلومات إجمالية أو خلاف ذلك؛ أي مجهولة كلياً مُستقاة من البيانات الشخصية"[39].
وهذا ما أكدت عليه المادة (21) فقرة (2) من البروتوكول الاختياري "تكون للمعلومات السرية التي تجمعها الآلية الوقائية الوطنية حرمتها. ولا تُنشر أي بيانات شخصية دون موافقة صريحة من الشخص المعني بتلك البيانات".
وبتعبير أوضح، فإن دليل الآليات الوقائية الوطنية يؤكد صراحة على أن "البيانات الشخصية التي حصلت عليها الآلية الوقائية الوطنية يجب حمايتها من الإفشاء عنها والبوح بها دون موافقة الشخص المعني، ومع ذلك، يجب أن يسمح القانون أيضاً للآلية الوقائية الوطنية بالقدرة غير المقيدة لنشر معلومات إجمالية، مستقاة من بيانات شخصية، ومعلومات أخرى ما عدا تلك المعلومات التي توفر البيانات الشخصية بسرية وصدق وأمانة"[40].
ويشدد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية أيضاً على أنه "يجب أن يؤكد القانون على السماح للآلية الوقائية الوطنية بإفشاء أو نشر البيانات المتعلقة بالأفراد عندما يوافق على ذلك الشخص المعني صراحة. ولا يجب السماح للحكومة بالاختباء خلف خطابات حول حقوق السرية الشخصية من أجل إعاقة نشر المعلومات التي، وخلافاً لذلك، قد تريد الآلية الوقائية الوطنية والشخص المعني أيضاً الإفصاح عنها أو إعلانها"[41].
هذا بشأن الاستثناء المتعلق بكيفية التعامل مع البيانات الشخصية في عمل الآلية الوقائية الوطنية، وأمّا بشأن القاعدة العامة في التعامل مع تقارير وتوصيات ودراسات وأبحاث الآلية الوقائية الوطنية في مجال ولايتها فقد سبق التأكيد على وجوب نشرها وفقاً لمتطلبات البروتوكول الاختياري والمبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب ومتطلبات الحق في الحصول على المعلومات وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفي ذلك أيضاً، يؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية على أنه "من أجل ضمان التحسين الدائم والداعم لمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم وظروف احتجازهم، يجب أن تكون الآليات الوقائية الوطنية قادرة على تقديم التقارير ونشر أبحاثها ونتائج ما توصلت إليه"[42].
15. تنص المادة (7) من مسودة القرار بقانون على ما يلي "تشكل بناءً على قرار مجلس الوزراء لجنة وطنية لاختيار أعضاء الآلية على النحو الآتي: 1. موظفان حكوميان من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال حقوق الإنسان على أن لا تقل مدة الخدمة الفعلية عن عشر سنوات 2. ثلاثة ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني ذات الاختصاص في مجال حقوق الإنسان 3. ممثل عن نقابة المحامين 4. ممثل عن نقابة الأطباء 5. ممثل عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بصفة مراقب".
إن المادة المذكور، التي تنص على أن تُشكل اللجنة الوطنية، التي تختار خبراء الآلية الوقائية الوطنية، بموجب قرار صادر عن الحكومة، مُضافاً إليها ما سبق ذكره من ملاحظات على المادة (5) فقرة (4) من مسودة هذا القرار بقانون التي تنص على أن تتشكل الآلية الوقائية الوطنية (NPM) بموجب مرسوم رئاسي بأسماء الأعضاء بناءً على تنسيب مجلس الوزراء وتوصية - غير ملزمة - من اللجنة الوطنية، يشيران، بوضوح، إلى سيطرة السلطة التنفيذية، على الآلية الوقائية الوطنية، والتحكم بتشكيلها، خلافاً لأحكام ومتطلبات البروتوكول الاختياري.
يُعاني تشكيل اللجنة الوطنية (غير واضح إن كانت دائمة أم مؤقتة) من ذات الإشكاليات، التي يُعاني منها تشكيل الآلية الوقائية الوطنية في ذاتها، من حيث غياب الأسس والمعايير والشروط الواضحة والمحددة في اختيار الأعضاء، والركون إلى العمومية، التي يصعب تَحرّيها بشفافية في التجربة العملية، ومع سيطرة السلطة التنفيذية على آلية تعيين اللجنة الوطنية والآلية الوقائية الوطنية، فإن هذا النهج، كما هو سائد في الحالة الفلسطينية، قد يتحول إلى عملية توزيع للعضوية (محاصصة) في اللجنة الوطنية والآلية، ويؤدي إلى إفراغ الآلية الوقائية الوطنية، وإفراغ البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، من المضمون والفعالية، على أرض الواقع.
تؤكد المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في الأمم المتحدة على أنه "ينبغي للدولة أن تكفل استقلالية الآلية وذلك بالامتناع عن تعيين أعضاء فيها يشغلون مناصب يمكن أن تثير تساؤلات عن تضارب المصالح"[43]. وتؤكد على أنه "ينبغي للآلية الوقائية الوطنية أن تكفل أن يكون موظفوها من خلفيات متنوعة، وتكون لهم القدرات والدراية المهنية اللازمة ليتسنى لها أن تضطلع بولايتها بشكل سليم. وينبغي أن يشمل ذلك في جملة ما يشمله الخبرات ذات الصلة في مجالي القانون والرعاية الصحية"[44].
هنالك حاجة لتشكيل، آلية مستقلة، لاختيار، خبراء الآلية الوقائية الوطنية، من خلال مشاورات واسعة النطاق في الضفة الغربية وقطاع غزة، بمعزل عن المسميات (لجنة وطنية أم غير ذلك) والمهم أن تحظى تلك الآلية المستقلة بالثقة الكاملة في المشاورات الوطنية في الضفة والقطاع، وأن يكون هناك أسس ومعايير وشروط واضحة ومحددة في كل عضو من أعضاء الآلية المستقلة؛ التي تختار خبراء الآلية الوقائية الوطنية، وأن تُنتهي مهمتها بمجرد اختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية وتولِّيهم مسؤولياتهم وفقاً لأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، كون مهمتها تنحصر في اختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية، وأن يكون هناك أسس ومعايير وشروط واضحة ومحددة في المشروع لاختيار "خبراء" الآلية الوقائية الوطنية، بعيداً عن سيطرة السلطة التنفيذية ونهج توزيع المناصب (المحاصصة) في الحالة الفلسطينية، إنها مسألة تتعلق بالقيم والمنهجية الواضحة والشفافة للوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، والإنصاف الفعّال، والحوار البنّاء مع السلطات المعنية في الضفة والقطاع لتحسين معاملة المحرومين من حريتهم وظروف الاحتجاز، والإصلاح الجنائي، وتعزيز حالة حقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية، وإنفاذ الاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات.
من المهم، التأكيد، دوماً، على أن استقلالية تشكيل الآلية الوقائية الوطنية (NPM) تلعب دوراً حيوياً بالغ الأهمية في مهنية وفعالية أدائها، وثقة الناس بحسن الأداء، للوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة للمحرومين من حرياتهم، وتلعب دوراً حاسماً في الحالة الفلسطينية، في ظل حالة الانقسام الداخلي، وآثاره الكارثية على حالة حقوق الإنسان، واستمرار جرائم التعذيب وسوء المعاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأثر مؤشراتها بالانقسام وتبعاته، وضعف الثقة، وحالة الاستقطاب، بما يخلق تحديات كبيرة تضع مستقبل الآلية على المحك، قبل أن تبدأ عملها في الضفة والقطاع، وبالتالي، فإن أيّ تهاون في مجال استقلالية تشكيل وأداء ومهنية وفعالية الآلية الوقائية الوطنية؛ من شأنه أن يرتد على الثقة بأدائها، وأن يُعرقل مسيرتها، وقد يُحيلها إلى جسم إضافي لا يحوز على ثقة الناس، بما من شأنه أن ينال من أمل المحرومين من حريتهم، وذويهم، والناس، من برنامج طموح وفعّال للوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة وتحقيق متطلبات عملية الإصلاح الجنائي.
16. لم تتطرق مسودة قرار بقانون الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين إلى دور المجلس التشريعي الفلسطيني (السلطة التشريعية) على مستوى النصوص القانونية، وبخاصة فيما يتعلق باختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية، وهذا "النهج" سائد في القرارات بقوانين التي صدرت خلال سنوات الانقسام منذ عام 2007.
ينبغي التفريق، بين غياب المجلس التشريعي على أرض الواقع، وغيابه في النصوص القانونية وخطورته على دور البرلمان بعد عودة الحياة البرلمانية، وبالتالي، فإنه يمكن النص، مثلاً، على آلية مستقلة وتشكيل مستقل للآلية الوطنية، مؤقتين، مع الأخذ بالاعتبار الملاحظات عليها، إلى حين أن يتولى المجلس التشريعي مهامه الدستورية، ويكون له حق اختيار الآلية الوقائية الوطنية الدائمة، باعتباره مفوضاً من الشعب، مصدر السلطات، بالتشريع والرقابة الدستورية، وهذا المنهج، مختلفٌ عن النهج التقليدي الذي يُترجَم من خلال النص على عرض القرارات بقانون، بعد صدورها ونشرها في الجريدة الرسمية، على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدورها.
تماماً، كالمنهجية المتبعة في المادة (2) فقرة (5) من المسودة التي تنص على أن يكون مقر الآلية الوقائية الوطنية "الدائم" في مدينة القدس وتنعقد "مؤقتاً" في مدينتي رام الله وغزة حسب مقتضى الحال. وبذلك يتم ضمان دور السلطة التشريعية في مضمون نصوص القانون. مع التشديد؛ على أهمية وضرورة إجراءات الانتخابات العامة في أسرع وقت ممكن، كاستحقاق دستوري، وحق للمواطنين، وفي بيئة حرة ونزيهة، واحترام نتائجها، وانتظامها.
وافقت، جميع القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يشمل حركتي فتح وحماس، خطياً، في كانون الأول/ديسمبر 2019، على إجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية في غضون أربعة أشهر من تاريخ صدور المرسوم الرئاسي بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة وفق قرار بقانون الانتخابات العامة 2007، وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية المستقلة عن جهوزيتها الكاملة لتنفيذ العملية الانتخابية بالضفة والقطاع، إلاّ أن المرسوم الرئاسي لم يصدر. الأمر الذي يتطلب، العمل، دون إبطاء، لإصدار المرسوم الرئاسي بالدعوة للانتخابات العامة التشريعية والرئاسية المتزامنة وفق ما ينص قرار بقانون الانتخابات العامة.
وقد سبق القول بأن دليل الآليات الوقائية الوطنية يؤكد بإن السلطة الوحيدة القادرة على تغيير وتعديل وجود أو ولاية أو سلطات الآلية الوقائية الوطنية؛ يجب أن تكون الهيئة التشريعية ذاتها، ويجب أن ينص القانون على أن الوزراء والمسؤولين لا يمكنهم إصدار تعليمات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الآلية الوقائية الوطنية[45]. فيما نصت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب على أنه ينبغي على الدول أن تكفل اطلاع البرلمان على التقارير السنوية الصادرة عن الآلية الوقائية الوطنية ومناقشتها[46].
17. تنص المادة (8) من مسودة القرار بقانون على ما يلي "تكون مهام اللجنة الوطنية على النحو الآتي: 1. الإعلان الرسمي عن فتح باب الترشح لعضوية الآلية من خلال صحيفتين محليتين على الأقل والإعلان في وسائل الإعلام الرسمية والمرئية أو المسموعة 2. استقبال طلبات الترشح لمدة لا تقل عن ثلاثين يوماً 3. مراجعة كافة الطلبات لاختيار الأعضاء وفقاً للمعايير المحددة في هذا القرار بقانون 4. إعادة الإعلان في حال لم يصل عدد الأشخاص المرشحين إلى ضعف عدد أعضاء الآلية الواجب اختيارهم 5. تكتفي اللجنة بالطلبات المقدمة أي كان عددها بعد إعادة الإعلان المشار إليه في الفقرة (4) من هذه المادة".
لا يُشير النص إلى مآل اللجنة الوطنية، بعد استكمال مهمتها، باختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية، أي بمعنى هل سينتهي دور اللجنة الوطنية أم ماذا؟ وفي حال استمرت ما هو دورها والحالة تلك؟ مع أن عملها ينبغي أن ينتهي مع استكمال دورها في اختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية وفقاً للشروط والمعايير التي ينبغي تحديدها.
ومن جانب آخر، فإن النص يُشير إلى أن اللجنة الوطنية ستقوم بمراجعة الطلبات لاختيار أعضاء الآلية، وفقاً للمعايير المحددة في هذا القرار بقانون، علماً أن نصوص القرار بقانون لم تضع معايير محددة بشأن خبراء الآلية الوقائية الوطنية وإنما وردت على نحو عام ومُعوّم من قبيل (ذوي الخبرة، ذوي الاختصاص، مؤسسات متخصصة، أخصائيين في المجال، ذوي علاقة) والأمر ذاته ينطبق على اللجنة الوطنية، التي ستقوم باختيار خبراء الآلية الوقائية الوطنية؛ باستثناء شرط محدد يتعلق بالمدة الزمنية (10 سنوات) بشأن عضوين حكوميين من أعضاء اللجنة الوطنية التي سيتم تعيينها بناء على قرار من مجلس الوزراء. ولا يُلاحَظ دور للمشاورات الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في اختيار خبراء الآلية، بتوافق وطني، علاوة على الخلل في المنهجية والاستقلالية.
18. تنص المادة (9) من مسودة قرار بقانون الآلية الوقائية الوطنية على ما يلي "تلتزم اللجنة الوطنية عند اختيارها أعضاء الآلية مراعاة المعايير الآتية: 1. الاستناد إلى المبادىء التوجيهية بشأن إنشاء الآليات الوقائية الوطنية 2. الاستناد إلى معايير باريس لاختيار أعضاء الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان 3. أن لا يقل عدد الأشخاص المرشحين عن ضعف عدد أعضاء الآلية المحدد وفق المادة (8) من هذا القرار بقانون 4. التمثيل المتوازن بين الجنسين 5. تمثيل شرائح مختلفة من المجتمع 6. ضمان التمثيل الجغرافي العادل قدر الإمكان".
هذا النص، لم يُضف جديداً بشأن الأسس والمعايير والشروط "المحددة" في مجال الخبرة والدراية الواجب توفرها لدى كل عضو من أعضاء الآلية الوقائية الوطنية، ونوعية الخبرة والكفاءة المطلوبة في "خبراء" الآلية الوقائية الوطنية، الذين سيعملون في مجال تصميم وتنفيذ نظام فعّال في مجال زيارات مراكز الاحتجاز وكتابة التقارير والتوصيات والتواصل الحر والمفتوح مع "خبراء" اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب وسوء المعاملة، بتناغم، والوقاية من، وحماية، المحرومين من حريتهم، وإنصافهم، وتحسين ظروف الاحتجاز، والإصلاح الجنائي. وذلك لأن المبادىء التوجيهية بشأن إنشاء الآليات الوقائية الوطنية ومبادىء باريس لا تتضمن معايير ومواصفات "محددة" كي تنسحب على معايير ومواصفات خبراء الآلية الوقائية الوطنية، ما يعني افتقار المشروع إليها.
19. تنص المادة (10) من مسودة القرار بقانون على ما يلي "1. يشترط في المرشح لعضوية الآلية توافر الشروط الآتية: أ. فلسطيني الجنسية ب. أن يتمتع بكامل الأهلية القانونية ت. ألا يشغل أية وظيفة رسمية أو استشارية عامة أو في حزب سياسي ث. غير محكوم بجناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة من قبل محكمة مختصة أو من قبل مجلس تأديبي مهني لعمل يتعلق بالإساءة إلى المال العام أو سوء استخدام المنصب ج. أن يكون مشهوداً له بالأخلاق والنزاهة ومن الأشخاص ذوي السمعة الحسنة 2. التزام المرشح من مؤسسة مجتمع مدني بعدم قيامه بأي نشاط ذو صلة بمناهضة التعذيب لصالح المؤسسة التابع لها خلال فترة عضويته في الآلية.
بالرجوع للفقرة (1/ث) من المادة (10) من مسودة القرار بقانون، فإنه ينبغي أن يكون الحكم الصادر عن المحكمة المختصة، حكماً نهائياً، أي استنفذ جميع طرق الطعن القضائي، وأصبح عنواناً للحقيقة، وأن يكون قرار مجلس التأديب نهائياً أيضاً، وذلك إعمالاً للقاعدة الدستورية المنصوص عليها في المادة (14) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه".
وبالرجوع للفقرة (1/ج) من مسودة القرار بقانون، المتعلقة بشرط حسن السلوك، فإنه من الصعب القياس عليه، ويعني، بالممارسة العملية، في الحالة الفلسطينية، اشتراط الحصول على الموافقة المُسبقة من الأجهزة الأمنية بشأن المرشحين لعضوية الآلية الوقائية الوطنية قبل تولي مهامهم، وهي ممارسات لا زالت جارية على الأرض في تولي الوظيفة العمومية، ووظائف غير عمومية أيضاً، وفق توثيقات مؤسسة الحق، خلافاً للقانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخلافاً لقرار مجلس الوزراء الفلسطيني الوارد في محضر جلسته رقم (133) بتاريخ 24/4/20012 والمتضمن إلغاء العمل بشرط السلامة الأمنية، تحت أي مسمى، والذي لم يتم الالتزام به، بما يتطلب الالتزام بالقانون وقرار مجلس الوزراء وإلغاء هذا الشرط والاكتفاء فقط بعدم المحكومية.
وبالرجوع للبند (2) من المادة (10) من مشروع القرار بقانون المتعلق بالتزام المرشح من مؤسسة مجتمع مدني بعدم قيامه بأيّ نشاط ذو صلة بمناهضة التعذيب لصالح المؤسسة التابع لها خلال فترة عضويته في الآلية، فإننا نرى أهمية استقالة العضو (الخبير) من مؤسسة المجتمع المدني أو المؤسسة الوطنية التي يعمل بها فور توليه مهام عمله في الآلية الوقائية الوطنية، حفاظاً على استقلالية الآلية وأهمية التفرغ لها وعدم تداخل عملها مع خطط وبرامج مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الوطنية في مجال التعذيب وسوء المعاملة، وتكامل الأدوار.
تجدر الإشارة، في هذا المقام، إلى أن دليل الآليات الوقائية الوطنية يؤكد على أنه "يجب أن يكون أعضاء الآلية الوقائية الوطنية مستقلين من الناحية الشخصية والمؤسساتية عن سلطات الدولة، ولا يجب أن تتضمن الآليات الوقائية الوطنية أفراداً يشغلون، أو شغلوا منذ مدة قصيرة، مراكز فعالة في نظام العدالة الجنائية"[47].
كما وينص الدليل، أيضاً، على ما يلي "إن أعضاء الآلية الوقائية الوطنية يجب أن يكونوا مستقلين شخصياً عن السلطة التنفيذية، بمعنى أنه يجب أن لا يكون لديهم علاقات أو اتصالات مع شخصيات سياسية قيادية في السلطة التنفيذية، أو مع هيئات تنفيذ القانون، مثل الموالاة السياسية، الصداقات الحميمة أو العلاقات المهنية الموجودة سابقاً، حتى وإن كان هذا العضو المفترض قادراً على العمل بطريقة حيادية، وكذلك إذا كان ملحوظاً بشكل معقول أنه مُتحيز، لأن ذلك يؤدي إلى تعريض وتوريط عمل الآلية الوقائية الوطنية بشكل جدي"[48].
20. تنص المادة (12) من المسودة على أنه "عند شغور عضوية أحد الأعضاء قبل انتهاء مدة عضويته يتم تسمية عضو جديد وفقا للمادة (11) من هذا القرار بقانون". هنالك خطأ في الإحالة، في هذا النص القانوني؛ حيث أنه يُحيل إلى المادة (11) المتعلقة بفقدان العضوية والصواب المادة (10) من المشروع المتعلقة بشروط العضوية.
21. تنص المادة (13) من مسودة القرار بقانون على ما يلي "1. يتمتع أعضاء الآلية بالحصانة عن كل ما يقومون به من أعمال تتعلق بتنفيذ مهامهم 2. لا يجوز مساءلة أي عضو من أعضاء الآلية أو العاملين الإداريين جزائياً أو مدنياً بسبب الأعمال المتعلقة بعمل الآلية، إلاّ بعد منح الإذن من الآلية خلال أسبوعين من تاريخ تبلغها 3. إذا لم تصدر الآلية قرارها بمنح الإذن خلال المدة المشار إليها في الفقرة (3) من هذه المادة يتم تبليغها مرة أخرى، وفي حال عدم تلقي الرد خلال أسبوع يتم التواصل مع عضو الآلية بشكل مباشر 4. لا يجوز تفتيش مكاتب الآلية أو اتخاذ أي إجراء قضائي أو إداري بشأنها إلا بعد إعلام رئيس الآلية 5. لا يجوز إصدار قرار بتعليق عمل الآلية أو وقفها في أي ظرف بما في ذلك حالات الطوارىء والحروب".
هذا النص، يتعارض، بشكل واضح، مع حصانة أعضاء الآلية الوقائية الوطنية؛ المؤكد عليها بشكل واضح في المادة (35) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي انضمت إليه دولة فلسطين، وفي جوانب عديدة؛ أولاً ينبغي النص صراحة على أن أعضاء الآلية الوقائية الوطنية (NPM) واللجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT) يتمتعون بالامتيازات والحصانات المنصوص عليها في اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي اعتمدتها الجمعية العامة بتاريخ 13 شباط 1946 ودخلت حيز النفاذ في 10 شباط 1949 وإعادة صياغة النص كاملاً على هذا الأساس، ثانياً إن الحصانات تشمل كل ما يقوم به أعضاء الآلية من أعمال تتعلق بتنفيذ مهامهم أو بسببها خلال مدة ولايتهم وبعد انتهائها فيما يتعلق بالأعمال المرتبطة بولايتهم، ثالثاً إن البند (3) من النص المذكور يشير إلى إمكانية التواصل المباشر مع عضو الآلية الوقائية الوطنية في شأن يتعلق بالحصانات علماً أن الحصانة ليست امتيازاً شخصياً يُمكن التواصل بشأنه مع عضو الآلية ولا يجوز اتخاذ أي إجراء على هذا الصعيد والتقدم خطوة بهذا الاتجاه قبل الحصول على قرار من الآلية الوقائية الوطنية وبأغلبية واضحة؛ كما أن هناك خطأ في الإحالة بهذا البند (البند رقم 3) حيث أنه يُحيل إلى ذاته والصواب الإحالة للبند (2) من النص.
كما وينص البند (4) من المادة (13) من المسودة على أنه لا يجوز تفتيش مكاتب الآلية الوقائية الوطنية أو اتخاذ أي إجراء قضائي أو إداري بشأنها إلا بعد إعلام رئيس الآلية. هذا البند يتعارض بشكل صارخ مع حصانات أعضاء الآلية الوقائية الوطنية، حيث يستخدم النص مصطلح " إجراء قضائي" وهذا الإجراء يأتي في المرحلة الثالثة من مراحل دعوى الحق العام (الدعوى الجزائية) بما يعني إمكانية إتخاذ إجراءات في مسار مرحلة الاستدلالات والتحقيق التي تسبق مرحلة المحاكمة، وبالتالي، ينبغي النص على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء "جزائي أو مدني أو إداري" على هذا الصعيد؛ وأن تلك الحصانات مُقررة للصالح العام ومرتبطة بالنظام العام.
وينبغي النص، بوضوح، على طبيعة الأفعال الخطرة التي تستوجب طلب رفع الحصانة عن عضو الآلية الوقائية الوطنية. كما أن هذا البند، يُتيح إمكانية رفع الحصانة، واتخاذ إجراءات بحق عضو الآلية الوقائية الوطنية بمجرد "إعلام رئيس الآلية" بما يخالف أحكام البروتوكول الاختياري، وبالتالي، بتوجب النص على عدم اتخاذ أية إجراءات على هذا الصعيد إلا بعد الحصول على قرار من الآلية الوقائية الوطنية وبأغلبية عددية واضحة.
وينص البند (5) من المادة (13) من المسودة على عدم جواز إصدار قرار بتعليق عمل الآلية أو وقفها في أي ظرف من الظروف بما في ذلك حالة الطوارىء والحروب، وبالتالي، ينبغي حذف كلمة "قرار" من البند المذكور وذلك لأن التعليق لا يكون فقط من خلال قرار وكذلك إضافة كلمة "التعطيل" إلى البند المذكور (البند 5) ليصبح على النحو التالي "لا يجوز تعليق عمل الآلية أو وقفها أو تعطيلها في جميع الظروف والأحوال بما في ذلك حالات الطوارىء والحروب". وبالنتيجة ينبغي مراجعة المادة (13) كاملة بشأن الحصانات في مسودة المشروع.
كما وينبغي النص على استفادة "المبلغين" عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة من الحصانات التي يتمتع بها أعضاء الآلية الوقائية الوطنية وفقاً للمادة (21) فقرة (1) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب؛ حيث يتضح من النص المذكور أن الحصانة تشمل المبلغين عن التعذيب وسوء المعاملة، بغض النظر إن كانت المعلومات التي أدلوا بها للآلية الوقائية الوطنية، صحيحة أم خاطئة، والسبب في ذلك يرجع، كما سبق القول، إلى أن فحص وتقييم المعلومات إنما يرجع لتقييم الآلية الوقائية الوطنية للحماية من التعذيب وسوء المعاملة.
ووفقاً للسياسة المُنقحة للجنة الفرعية لمنع التعذيب فإنه "ينبغي إخطار مقرر اللجنة الفرعية المعني بالأعمال الانتقامية، في أقرب وقت ممكن، بجميع الادعاءات المتعلقة بأعمال التخويف أو الأعمال الانتقامية الموجهة ضد أفراد أو مجموعات أو آليات وقائية وطنية ممن يسعون للتعاون، أو يتعاونون فعلاً، مع اللجنة الفرعية أو مع الآليات الوقائية الوطنية نفسها. وينبغي للجنة الفرعية وللآليات الوقائية الوطنية أن تتخذ خطوات لضمان تزويدها بجميع المعلومات ذات الصلة بتلك الادعاءات. وينبغي للمقرر الخاص أو لمنسق الزيارات القطرية بشأن الأعمال الانتقامية إبلاغ رئيس اللجنة الفرعية في أقرب وقت ممكن، عن طريق الأمانة العامة، بتلك الادعاءات"[49].
وبتلك الأحوال، يُجري مقرر اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة المعني بالأعمال الانتقامية، تقييماً للادعاء بالممارسة العملية، في أقرب وقت ممكن، ويرجع لمجموعة متنوعة من مصادر المعلومات، وتشمل هذه المصادر الدولة الطرف [دولة فلسطين] والأفراد المعنيين، والأمانة العامة، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بما يشمل مكاتبها الميدانية، وسائر كيانات الأمم المتحدة، والآليات الوقائية الوطنية، والمجتمع المدني"[50].
22. تنص المادة (14) من المسودة على أنه "يجوز للآلية التواصل المباشر مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب ولها في سبيل ذلك: 1. تلقي المشورة والدعم الفني 2. الاجتماع بها بشكل دوري أو كلما دعت الحاجة 3. تلقي التدريب المهني 4. المساعدة المتبادلة". من الضروري، الـتأكيد، على أن تواصل الآلية الوقائية الوطنية مع اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب وسوء المعاملة، الحر، والمفتوح، هو حقٌ ثابتٌ في نصوص البروتوكول الاختياري، وليس مسألة جوازية تحتمل التواصل من عدمه، وذلك لأن نظام الزيارات لمراكز الحرمان من الحرية يقوم على دعامتين أساسيتين؛ هما الآلية الوقائية الوطنية واللجنة الفرعية؛ والعمل بطريقة مُنظمة ومُتناسقة من خلال برنامج زيارات فعّال لمراكز الاحتجاز، الذي يُشكل جوهر هذا النظام، الذي ينطبق في الضفة والقطاع. والتأكيد على حق الآلية الوقائية الوطنية في التواصل الحر مع نظرائها في الدول من أجل تعزيز الفعالية وتبادل الخبرات.
وقد أكدت المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية الصادرة عن اللجنة الفرعية على ذلك "ينبغي على الآلية الوقائية الوطنية أن تسعى إلى إقامة إتصالات وإدامتها مع الآليات الوقائية الوطنية الآخرى بهدف تبادل الخبرات وتعزيز فعاليتها"[51]. وشددت أيضاً على أنه "ينبغي للآلية الوقائية الوطنية أن تسعى إلى إقامة اتصالات وإدامتها مع اللجنة الفرعية، على النحو المنصوص عليه في البروتوكول الاختياري وللأغراض المبينة فيه"[52].
23. تنص المادة (15) من المسودة على أن "يصدر مجلس الوزراء الأنظمة الإدارية والمالية للآلية بناءً على تنسيب من الآلية". هذا النص، ينتهك استقلالية الآلية الوقائية الوطنية، ويخالف البروتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي أكد صراحة على استقلالية تشكيل وأداء الآلية في المواد (1) و (18) من البروتوكول.
يؤكد دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية صراحة على أن "القانون الذي أوجد الآلية الوطنية لا يُمكنُه وضع المؤسسة أو أفرادها تحت الإدارة المؤسسية لوزارة أو وزير من الحكومة أو مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء .. يجب أن ينص القانون على أن الوزراء والمسؤولين لا يمكنهم إصدار تعليمات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الآلية الوقائية الوطنية"[53]. وحيث أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب يؤكد على، استقلالية، الآلية الوقائية الوطنية، فلا مبرر للنص على صدور أنظمة مالية وإدارية من قبل مجلس الوزراء (الحكومة) لآلية مستقلة هدفها الرقابة على مراكز الاحتجاز التابعة للأجهزة التنفيذية.
والأمر يعني، أن يتم النص على أن تضع الآلية الوقائية الوطنية اللوائح الداخلية التي تنظم شؤونها المالية والإدارية، وهذا التوجه لا يتعارض مع المادة (70) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل الذي يُنيط بالحكومة صلاحية وضع الأنظمة المكملة للقوانين، كون الحديث يدور هنا عن لوائح داخلية تنظم الشؤون المالية والإدارية للآلية، وليس تشريعاً فرعياً مُكمّلاً للقانون؛ كون الأخير يتعارض مع الاستقلالية بالمعنى المقصود في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي يشدد على أهمية الاستقلالية للآلية الوقائية الوطنية في فلسطين.
24. ضرورة إضافة نص قانوني على مسودة مشروع القرار بقانون يؤكد صراحة على أنه "يحظر تفسير أو تأويل أي نص وارد في هذا القرار بقانون على نحو يتعارض مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين والمبادىء والمعايير الدولية ذات الصلة". وذلك بهدف ضمان الانسجام والمواءمة الكاملة للمشروع مع أحكام البروتوكول الاختياري والاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة.
[1] أنظر/ي دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، صادر عن الجمعية السويسرية للوقاية من التعذيب (APT)، جنيف، 2006، ص (8) وما بعدها.
الخطة التشريعية للحكومة، الملخص التنفيذي، البند الثامن الخاص بضمانات حسن تنفيذ الخطة، ص (11). [2]
[3] الخطة التشريعية للحكومة، الفصل الثاني، دليل الخطة التشريعية للحكومة، المادة (4)، ص (17).
[4] الخطة التشريعية للحكومة، الملخص التنفيذي، البند الثامن الخاص بضمانات حسن تنفيذ الخطة، ص (11).
[5] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، صادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، الدورة الثانية عشرة، جنيف، 15- 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 وثيقة رقم (CAT/OP/12/5) منشورة بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2010، البند رقم (8).
[6] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (21). تعطي وثيقة لجنة حقوق الإنسان في أوغندا لعام 1997 مثلاً واضحاً على هذا الصعيد، حيث تنص في المادة (8) فقرة (2) بند (1) على أنه "سوف يكون للجنة مهمة زيارة أي مكان أو بناء حيث هناك شك في وجود شخص محتجز بشكل غير قانوني".
[7] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (11).
[8] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (12).
[9] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (33).
[10] تتطلب المادة (35) من البروتوكول الاختياري لمنع التعذيب النص في القانون المحلي (الفلسطيني) على "امتيازات وحصانات الأمم المتحدة" للجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT) والآلية الوقائية الوطنية (NPM) لتمكينهم من أداء مهامهم باستقلالية وفعالية. تنطبق البنود (22 و 23) من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 شباط 1946 ودخلت حيز النفاذ في 10 شباط 1949 على اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب لتمكينها من أداء مهامها داخل دولة فلسطين بموجب البروتوكول الاختياري. يتوجب استعمال تلك البنود من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة كنموذج للامتيازات والحصانات التي يحصل عليها أعضاء الآلية الوقائية الوطنية خلال فترة العضوية فيما يتعلق بعملهم وبعد انتهاء العضوية فيما يتعلق بفترة عملهم في الآلية، وبالرجوع إلى البند (22) من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي تنطبق على اللجنة الفرعية والآلية الوقائية الوطنية فقد جاءت على النحو التالي" يُمنح الخبراء الذين يقومون بمهام للأمم المتحدة الامتيازات والحصانات التي يتطلبها استقلالهم للقيام بمهام وظائفهم طوال مدة قيامهم بمهامهم، بما في ذلك الوقت الذي يقضونه في أسفارهم المتعلقة بتلك المهام. ويُمنحون بصفة خاصة الحصانات التالية: أ) الحصانة فيما يتعلق بالقبض عليهم أو اعتقالهم أو حجز أمتعتهم الشخصية ب) الحصانة القضائية التامة فيما يصدر عنهم من قول أو كتابة أو عمل أثناء قيامهم بمهامهم ويظلون متمتعين بتلك الحصانة القضائية حتى بعد أن يكفوا عن القيام بمهام للأمم المتحدة ج) حُرمة جميع المحررات والوثائق د) حق استعمال الرموز وتلقي المحررات أو المكاتبات بواسطة الرُسل أو الحقائب المختومة وذلك فيما يتعلق بمراسلاتهم مع الأمم المتحدة ه) التسهيلات ذاتها التي تُمنح لممثلي الحكومات الأجنبية الموفدين في مهام رسمية مؤقتة وفيما يتعلق بالقيود المفروضة على العملة أو صرف العملات و) الحصانات والتسهيلات التي تُمنح للمبعوثين الدبلوماسيين فيما يتعلق بأمتعتهم الشخصية. وبالرجوع إلى البند (23) من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها لعام 1946 – وهو البند الذي ورد في نهاية المادة (35) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب- فقد جاء في الاتفاقية المذكورة على النحو التالي "تُمنح الامتيازات والحصانات للخبراء من أجل تحقيق مصالح الأمم المتحدة وليس من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة. ويحق للأمين العام، بل يجب عليه، أن يرفع الحصانة عن أي خبير في أية حالة يرى معها أن تلك الحصانة تحول دون أن تأخذ العدالة مجراها، وأنه من الممكن رفعها دون الإضرار بمصالح الأمم المتحدة". وبالرجوع إلى دليل الآليات الوقائية الوطنية في كيفية التعامل مع الامتيازات والحصانات لأعضاء الآلية الوقائية الوطنية (NPM) فقد أكد صراحة على أنه "يجب تطبيق هذه الامتيازات والحصانات شخصياً على كل عضو من أعضاء الآلية الوقائية الوطنية. ومع ذلك، يمكن منح كامل الأعضاء في الآلية الوقائية الوطنية القدرة على إسقاط الحصانة؛ بالتصويت بالأغلبية الواضحة لعدد الأعضاء، في قضايا فردية، بمقتضى ظروف محددة، لأن هذه الامتيازات والحصانات وُجدت لضمان استقلالية الآلية الوقائية الوطنية وليس لإفادة العضو الشخصية منها". أنظر/ي دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (43).
[11] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (43).
[12] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (26).
[13] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (27).
[14] تنص المادة (20/ د) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب " لتمكين الآليات الوقائية الوطنية من أداء ولايتها، تتعهد الدول الأطراف في هذا البروتوكول، بأن تُتيح لها فرصة إجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حريتهم دون وجود شهود ومقابلتهم إمّا بصورة شخصية وإمّا من خلال مُترجم إذا اقتضت الضرورة، فضلاً عن أي شخص آخر تعتقد الآلية الوقائية الوطنية أنه يمكن أن يُقدم معلومات ذات صلة".
[15] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (86).
[16] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (58) وما بعدها.
[17] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (67).
[18] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (29).
[19] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (25).
[20] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (56).
[21] تقرير اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في برلمان المملكة المتحدة، التقرير رقم (50) لجلسة 2005/2006 بتاريخ 22 أيار/مايو 2006.
[22] القانون الأساسي للجمهورية التونسية المتعلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، منشور في الجريدة الرسمية التونسية (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية) عدد (85) صفحة (4327) بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2013.
[23] تقرير اللجنة الفرعية لمنع التعذيب الخاص بزيارة تونس من 11 إلى 14 نبسان/أبريل 2016: الملاحظات والتوصيات الموجهة إلى الآلية الوقائية الوطنية،، تقرير اللجنة الفرعية، وثيقة رقم (CAT/OP/TUN/2) منشورة بتاريخ 11 آب/أغسطس 2017، فقرة (8/أ).
[24] تنص المادة (2) فقرة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب على أن "تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعّالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي". وتنص المادة (4) فقرة (2) من الاتفاقية على أن "تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة".
[25] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (68).
[26] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (68).
[27] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (16).
[28] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (17).
[29] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (18).
[30] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (19).
[31] تؤكد المواد (1) و (18) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بوضوح على الاستقلالية الإدارية والمالية الكاملة للآليات الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة.
[32] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (16) وما بعدها.
دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39). [33]
[34] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39).
[35] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39).
[36] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (42).
[37] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (9).
[38] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (67).
[39] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (67).
[40] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (62).
[41] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (59).
دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (67). [42]
[43] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (18).
[44] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (20).
[45] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39).
[46] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (29).
[47] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39).
[48] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (40).
[49] سياسة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة بشأن الأعمال الانتقامية فيما يتصل بولاية اللجنة التي تخولها القيام بزيارات، صادرة عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، وثيقة مُنقحة من اللجنة الفرعية ومعتمدة في دورتها الثامنة والعشرين المنعقدة في (15- 19 شباط/فبراير 2016) وهي منشورة بالرقم (CAT/OP/6/Rev.1) بتاريخ 31 أيار/مايو 2016، بند رقم (10).
[50] سياسة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة بشأن الأعمال الانتقامية فيما يتصل بولاية اللجنة التي تخولها القيام بزيارات، مرجع سابق، بند رقم (12).
[51] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (39).
[52] المبادىء التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، بند (40).
[53] دليل إنشاء وتحديد الآليات الوقائية الوطنية، مرجع سابق، ص (39).