تاريخ الحادثة | 13 تشرين الثاني 2023 |
تاريخ النشر | 13 تشرين الثاني 2024 |
الموقع | الخليل٬ الضفة الغربية المُحتلة |
بتكليف من | بحث مستقل |
المنهجيات البحثية | تحليل الفيديوهات٬ البحث الميداني٬ المُزامنة٬ البحث مفتوح المصدر٬ مطابقة الاحداثيات٬ رسم الخرائط |
المجال | الإعلام٬ المناصرة الدولية٬ المحاسبة القانونية |
الوصف | حالات القتل٬ الاستهداف٬ الاقتحامات الإسرائيلية |
مشاهدة الفيديو |
قبل عام من الان، في 13 نوفمبر 2023، عند الساعة 5:08 صباحًا، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على عيسى القاضي، و هو فلسطيني يبلغ من العمر 66 عامًا وأب لسبعة أبناء وأرمل، وأصابوه برصاصة قاتلة في الرأس خلال مداهمة لمدينة الخليل في الضفة الغربية. كان عيسى على بعد حوالي 100 متر حين أصيب، وكان يتراجع بسيارته مبتعدًا عن قوات الاحتلال المتواجدة بشكل غير قانوني في المنطقة. الجندي الذي أطلق النار على عيسى كان امامه وأطلق النار عليه فقط بعد مضي دقيقتان من ظهور قوات الاحتلال امام سيارة عيسى.
فشلت قوات الاحتلال في تقديم أي مساعدة طبية لعيسى، حيث تُرك ينزف لمدة تقارب الساعة، حتى عثر عليه أحد المارة الفلسطينيين واستدعى الاسعاف. نُقل عيسى إلى المستشفى، حيث أُعلن عن وفاته فور وصوله.
كان عيسى رجلاً ملتزمًا بعاداته وروتينه اليومي، حيث كان يغادر منزله مبكرًا عادةً ليؤدي صلاة الفجر قبل أن يبدأ عمله اليومي كسائق تاكسي. ووفقًا لعائلته، وقبل مغادرته المنزل في ذلك اليوم، وعد عيسى ابنته بأنه سيعود إلى المنزل مع وجبة الإفطار – وهو وعد لم يتحقق بسبب عنف الاحتلال وجرائمه.
بالتزامن مع الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، صعّدت إسرائيل هجماتها ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية. وكجزء من العنف الاستعماري والإبادي الإسرائيلي، كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مداهماتها العسكرية وهجماتها في أنحاء الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر 2023. وكانت المداهمة التي قُتل فيها عيسى واحدة من مداهمتين في محافظة الخليل في ذلك الوقت.
- رسم بياني يوضح الارتفاع الحاد في المداهمات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر 2023، استنادًا إلى بيانات الرصد الخاصة بمنظمة الحق.
منذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، قُتل ما لا يقل عن 736 فلسطينيًا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وذلك حتى 12 نوفمبر 2024. ومن بين الضحايا، قُتل 531 بالذخيرة الحية، حيث أصيب معظمهم (68%) بجروح في الجزء العلوي من الجسم، كما هو الحال مع عيسى، مما يعكس سياسة إسرائيل المتاصلة في "إطلاق النار للقتل".
المنهجية
قام الباحث الميداني لمؤسسة الحق بإجراء مقابلات مع عائلة عيسى وجمع الأدلة الأولية، بما في ذلك لقطات حصرية من كاميرات المراقبة توثق لحظة مقتل عيسى. تم تحليل أربع مواد مرئية، وتأكيد هذه النتائج باستخدام مصادر المعلومات المفتوحة (OSINT). تم مزامنة المواد واللقطات المجمعة، وتحديد مواقعها جغرافيًا، وإخضاعها لتحليل مفصل لبناء رواية شاملة ومرتبة زمنيًا عن الحادثة.
التسلسل الزمني
في 13 نوفمبر 2023، حوالي الساعة 2:30 صباحًا، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل، وداهمت مبنا إداريًا تابعًا للجمعية الخيرية الإسلامية، الواقع في منطقة الحاووز غرب شارع سلام أبو رمان. وخلال ما يقرب من ساعتين ونصف، قامت قوات الاحتلال بعملية تفتيش مكثفة للمبنى، وصادرت أجهزة حاسوب وملفات وأصولًا تابعة للجمعية. وفي الوقت نفسه، تمركز جنود إسرائيليون آخرون على الشارع الرئيسي بالقرب من مقر الجمعية، بينما أغلقت أربع مركبات عسكرية تقاطع مدرسة الشرعية للبنين الواقعة بالقرب من المبنى.
- موقع الجمعية الخيرية الإسلامية.
خلال عملية المداهمة، وجهت قوات الاحتلال أسلحتها نحو المارة والسائقين الفلسطينيين الذين اقتربوا من المنطقة، كما يظهر في اللقطات التي حصلت عليها مؤسسة الحق. حوالي الساعة 5:07 صباحًا، كان عيسى، أثناء قيادته لسيارة الأجرة خاصته على مساره المعتاد اليومي. وكان يقترب من الشارع الذي تمركزت فيه قوات الاحتلال دون ان يعلم بالأمر. وفي هذه اللحظة، اتخذ ثلاثة جنود إسرائيليين فورًا وضعية استعداد، موجهين أسلحتهم نحو سيارته. بحلول ذلك الوقت، كان عيسى، الذي كان يقود بسرعة 32 كيلومترًا في الساعة، قد أوقف سيارته تمامًا على بعد حوالي 40 مترًا من قوات الاحتلال.
- رسم بياني يوضح تحليل سرعة سيارة عيسى أثناء توجهه نحو الشارع الذي تمركزت فيه قوات الاحتلال، مبينًا أن سرعته التقريبية كانت 32 كيلومترًا في الساعة قبل أن يضغط على الفرامل.
بعد ثماني ثوانٍ، أطفأ عيسى أضواء السيارة الأمامية، ثم بدا وكأنه يشير إلى قوات الاحتلال بأنه يرغب في المرور باتجاه منطقة الحاوز غرب شارع سلام أبو رمان. ظلت سيارته متوقفة لمدة 20 ثانية تقريبًا، وخلال ذلك، ركض جندي رابع بسرعة إلى الرصيف بالقرب من سيارة عيسى ووجه سلاحه نحو السيارة.
ثم، في الساعة 5:07:25 صباحًا، بدأ عيسى بالتراجع ببطء بسيارته عائدًا نحو الشارع الذي كان قد جاء منه في البداية، وذلك بشكل واضح لتجنب إطلاق النار عليه من قبل قوات الاحتلال التي كانت في وضعية استعداد، موجهة أسلحتها نحوه. لاحقًا، قام الجنود بالتراجع تدريجيًا عن وضعية الاستعداد وخفضوا أسلحتهم. ثم تحركوا للخلف بالقرب من مبنى الجمعية التي كانت تتعرض للمداهمة في الوقت ذاته.
في الساعة 5:08:03 صباحًا، بينما كان عيسى يتراجع قرب جهة للخروج في منتصف الشارع، استخدم ضوء إشارة الانعطاف اليسرى في سيارته، مما يشير بوضوح إلى نيته القيام بدوران والقيادة في الاتجاه المعاكس لقوات الاحتلال. في تلك اللحظة تقريبًا، اتخذ جندي إسرائيلي وضعية إطلاق النار مستهدفًا عيسى. أثناء توجه عيسى نحو مسرب الخروج، توقف بسيارته ثم اختار التراجع على نفس الشارع بدلًا من استخدام المسرب الأول. يبدو أن قرار عيسى بعدم استخدام المسرب الاول كان نتيجة لكونه ليس مخصصا للانعطاف.
كان المسرب الاول، الذي يبلغ عرضه حوالي ثلاثة أمتار ونصف ومرتفع عن مستوى الشارع، غير مناسب للقيام بدوران. ومع ذلك، فإن المسرب الثاني، الذي يبعد حوالي 21 مترًا عن الأول، هو مسرب مخصص للانعطاف، بعرض يزيد عن 13 مترًا وعلى مستوى الشارع.
- الأدلة البصرية التي تُظهر وتحلل عرض المسربين اللذان كان عيسى يتراجع باتجاههما.
واصل عيسى التراجع بسيارته، ويبدو أنه كان يهدف للوصول إلى المسرب الثاني الأكثر ملاءمة. في هذه الأثناء، توجه جنديان إسرائيليان آخران،واللذان كانا في البداية يوجهان أسلحتهما نحو سيارة عيسى، إلى الرصيف المجاور وتمركزا بالقرب من محل تجاري. عند الساعة 5:08:28 صباحًا، اتخذ أحد الجنود وضعية إطلاق النار من فوق سيارة متوقفة في الجهة المقابلة لعيسى.
بعد تسع ثوانٍ، وعند وصول سيارة عيسى إلى النقطة التي يقع عندها المسرب، توقفت السيارة بالكامل. في تلك اللحظة تحديدًا، عند الساعة 5:08:37 صباحًا، أطلق جندي إسرائيلي النار على رأس عيسى، وذلك بعد مرور دقيقتين فقط على مواجهته الأولى مع قوات الاحتلال في ذلك اليوم.
لقطات الفيديو تُظهر دخان البندقية الصادر من بندقية الجندي المتمركز بجانب السيارة المتوقفة، وحركة رأسه إلى الأعلى كردة فعل طبيعية بعد إطلاق النار.
- الأدلة البصرية تُظهر اللحظة التي أطلق فيها الجندي الإسرائيلي النار على عيسى وأرداه قتيلًا.
إعادة تمثيل خط الرؤية للجندي تؤكد أنه كان لديه رؤية مباشرة لعيسى من خلال منظار بندقيته. في لحظة الطلقة القاتلة، كان عيسى لا يزال يتراجع مبتعدًا عن قوات الاحتلال، وكان يبعد حوالي 100 متر عن الجندي الذي أطلق النار عليه.
- إعادة تمثيل خط الرؤية للجندي الذي قتل عيسى.
وخلال ما يقارب ثلاث دقائق بعد إطلاق النار على عيسى وفشل قوات الاحتلال الإسرائيلي في تقديم أي مساعدة طبية له، بدأت تلك القوات بالانسحاب من المنطقة. تُرك عيسى داخل سيارته مصابًا لمدة لا تقل عن ساعة، إلى أن لاحظ أحد الفلسطينيين الذي كان يقود دراجة كهربائية السيارة المتوقفة، وعيسى داخلها مصابًا في الرأس وينزف. تم استدعاء سيارة إسعاف، ونُقل عيسى إلى مستشفى الخليل الحكومي، حيث أكد الأطباء وفاته نتيجة إصابته بطلق ناري في الرأس. حوالي الساعة 7:30 صباحًا في نفس اليوم، أعلنت وزارة الصحة رسميًا وفاة عيسى.
التحليل القانوني
في تحدٍ صارخ للقانون الدولي، مدعومًا بثقافة الإفلات من العقاب، يُعد القتل المتعمد لعيسى القاضي مثالًا آخر على تجريد إسرائيل للشعب الفلسطيني من إنسانيته. إن سياسة "إطلاق النار للقتل" التي تنتهجها إسرائيل تتجاهل تمامًا حق الفلسطينيين في الحياة، وهو الحق الذي "لا يجب أن يُفهم بشكل محدود"، ويُعتبر "الحق الأسمى الذي لا يجوز التنازل عنه حتى في حالات النزاع المسلح وحالات الطوارئ العامة الأخرى". إن مقتل عيسى يُعد حرمانًا تعسفيًا من الحياة ويشكل انتهاكًا للمادة 6 من القانون الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما يُعتبر جريمة حرب من خلال القتل العمد وفقًا للمادة 8(2)(أ)(1) من نظام روما الأساسي. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى عمليات القتل الواسعة والمنهجية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، يُشكل مقتل عيسى جريمة ضد الإنسانية.
علاوة على ذلك، فإن ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى دون تأخير أمر حاسم لحماية الحق في الحياة. على الرغم من التزامات إسرائيل القانونية الدولية بــ"ضمان تقديم العون و المساعدات الطبية لأي شخص مصاب أو متأثر في أقرب وقت ممكن"، و"اتخاذ إجراءات فورية لتأمين الرعاية الطبية عندما تكون هناك حاجة إليها"، فإن قوات الاحتلال فشلت في تقديم المساعدة الطبية لعيسى وتركته ينزف، مما يُظهر سياسة إسرائيل الموثقة جيدًا في حرمان الفلسطينيين بشكل تعسفي من الرعاية الطبية.
من الضروري أن تُؤخذ المداهمات الليلية المنهجية وسياسة "إطلاق النار للقتل" التي تنتهجها إسرائيل في سياق أوسع من العنف الاستعماري والإبادي الذي تمارسه إسرائيل، بالإضافة إلى نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. حيث يعتبر اتفاق الفصل العنصري لعام 1973 أن “[إنكار] عضو أو أعضاء في مجموعة عرقية أو مجموعات عرقية الحق في الحياة” هو عنصر من عناصر جريمة الفصل العنصري. في الواقع، يشكل التجاهل المنهجي من قبل إسرائيل لحق الفلسطينيين في الحياة ركيزة أساسية في نظامها العنصري، مما يعزز هيمنتها على الشعب الفلسطيني ويهدف إلى تقويض ممارسة حقوقهم غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقهم في تقرير المصير.
أخيرًا، إن وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو وجود غير قانوني. وقد أكدت محكمة العدل الدولية مؤخرًا في رأيها الاستشاري، "التبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية"، أن "الوجود المستمر لإسرائيل في [الأراضي الفلسطينية المحتلة] غير قانوني" ويجب أن ينتهي "بأسرع وقت ممكن". ولإنهاء إفلات إسرائيل من العقاب، وتفعيل التزاماتها القانونية، يجب على الدول، من بين أمور أخرى، فرض عقوبات وحظر أسلحة متبادل ضد إسرائيل، ومحاسبة الجناة الإسرائيليين ذوي الجنسية المزدوجة ضمن اختصاصاتها الوطنية، وممارسة الاختصاص القضائي العالمي، والتعاون مع الهيئات التحقيقية و/أو القضائية، مثل المحكمة الجنائية الدولية ولجنة التحقيق حول فلسطين.