القائمة الرئيسية
EN
ملاحظات مؤسسة الحق على مشروع القرار بقانون المعدل لقانون مكافحة الفساد
إعداد: د. عصام عابدين
13، فبراير 2018

تتابع مؤسسة الحق مشروع القرار بقانون لسنة 2018 بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، المعروض حالياً على أجندة مجلس الوزراء، والذي يندرج في سياق سيل من القرارات بقانون التي يتم نقاشها من قبل مجلس الوزراء ومن ثم إقرارها دون نقاش مجتمعي، وفي ظل استمرار غياب المجلس التشريعي الفلسطيني، وخلافاً لأجندة السياسات الوطنية "المواطن أولاً" والخطة التشريعية للحكومة التي أكدت على النهج التشاركي في العملية التشريعية وعلى تمكين المواطنين من حقهم في الوصول إلى المعلومات بشفافية.

ترى "الحق" أن القرارات بقانون باتت بحكم الأسرار التي لا يُتاح للمجتمع المدني والمواطنين عموماً الاطلاع عليها، خلافاً لأبسط خصائص القاعدة القانونية؛ التي تُوصف بأنها اجتماعية؛ وُجدت لتنظم سلوك الأفراد في المجتمع وعلاقاتهم الاجتماعية ومصالحهم، وهم المخاطبون بأحكامها. هذا الوضع السائد، الذي يتعارض مع فلسفة التشريع وغاياته، بات يسيطر على القرارات بقانون؛ من قبيل القرار بقانون المعدل لقانون المحكمة الدستورية العليا، وقرار بقانون الجرائم الإلكترونية، ومشروع قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، ومشروع قرار بقانون المالكين والمستأجرين، وغيرها من القرارات بقانون التي تعد وتُناقش وتقر بسرية.

تجدد "الحق" التأكيد على أن غياب المجلس التشريعي منذ أحد عشر عاماً على التوالي، وتولي السلطة التنفيذية زمام التشريع والتنفيذ، بعيداً الرقابة البرلمانية، وبما يشمل الموازنة العامة، قد أدى إلى تصدع كبير في النظام السياسي الفلسطيني، وانهيار للمبادىء والقيم الدستورية؛ ولا سيما مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات ومرتكزات الحكم الصالح، وأدى إلى استمرار حالة التدهور في منظومة حقوق الإنسان، وإنَّ الطريق الوحيد للبدء بترميم النظام السياسي، وبناء دولة القانون، يتمثل بالشروع الفوري بإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، وصيانة وتعزيز الحقوق والحريات العامة، واحترام القانون وسيادته على الجميع.

بعد الاطلاع على مشروع القرار بقانون لسنة 2018 بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، فإن "الحق" ترى ضرورة عدم إقراره وإحالته إلى نقاش مجتمعي مع التأكيد على موقفها المبدئي من القرارات بقانون؛ وفيما يلي أبرز الملاحظات الجوهرية على المشروع والتي تدعم موقفها بشأن عدم إقراره:

1. انتفاء شرط "الضرورة التي لا تحتمل التأخير" اللازمة لصحة إقراره من الناحية الدستورية وفق نص المادة (43) من القانون الأساسي التي يستند إليها السيد الرئيس لإصداره، والتي تعني في الفقه الدستوري؛ وجود خطر محدق، لا يمكن تداركه من خلال التشريع العادي، ويتطلب تدخلاً تشريعياً استثنائياً (قرار بقانون) في ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي، بهدف دفع هذا الخطر، ودون المساس بالتشريعات العادية غير المرتبطة بالخطر محل التدخل التشريعي الاستثنائي، على أن يُعرض هذا التشريع الاستثنائي على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها للبت فيه، وهذه الحالة غير متوفرة في هذا المشروع، علاوة على وجود قانون نافذ لمكافحة الفساد.

2. يتوسع مشروع القرار بقانون بتعريف الموظف العام في المادة (3) الخاصة بالتعريفات، حيث يُدرج الأفراد العاديين ضمن تعريف الموظف العام، خلافاً لتعريفه الوارد في المادة (169) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته، وبالتدقيق في التعريف المذكور، واستعراض الجرائم التي تعتبر جرائم فساد بموجب ذات النص؛ نجد أن هيئة مكافحة الفساد قد اقتحمت تخوم النيابة العامة وعلى نحو واسع، بما يؤدي إلى تداخل في المهام والصلاحيات، ويشكل مخالفة للقانون الأساسي وبخاصة المادة (107) التي أناطت بالنائب العام تولي الدعوى العمومية - باعتباره المفوض عن المجتمع بدعوى الحق العام- وأحالت للقانون تحديد اختصاصاته وواجباته؛ وكذلك المادة (108) التي أكدت على أن ينظم القانون طريقة تشكيل النيابة العامة واختصاصاتها.

وبالتالي، فإن هذا التوجه يشكل مخالفة لقانون الإجراءات الجزائية في المادة (1) التي نصت على أن "تختص النيابة العامة دون غيرها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها ولا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز وقف الدعوى أو التنازل عنها أو تركها أو تعطيل سيرها أو التصالح عليها إلا في الحالات الواردة في القانون". ومخالفة للمادة (2) من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أن "يباشر النائب العام الدعوى الجزائية بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة". وحيث أن المشرّع الدستوري قد أناط بالنائب العام تولي الدعوى العمومية وأسند تحديد اختصاصاته وواجباته؛ وتشكيل واختصاصات النيابة العامة؛ إلى قانون أصيل يصدر عن البرلمان (المجلس التشريعي) فلا يجوز الخروج عن إرادة المشرّع الدستوري على النحو الوارد في مشروع القرار بقانون باعتباره تشريعاً استثنائياً. مع الأخذ بعين الاعتبار، أن المشروع قد توسع في تعريف الموظف قياساً على التعريف الوارد في المادة (2) من اتفاقية مكافحة الفساد التي انضمت إليها دولة فلسطين.

3. يتوسع مشروع القرار بقانون في الجرائم التي تعتبر فساداً لغايات تطبيق أحكامه، بما يشكل اعتداءً على صلاحيات النيابة العامة ودورها الأصيل في تحريك ومباشرة دعوى الحق العام، حيث نجد أن المادة (3) الخاصة بالتعريفات تعتبر جرائم التزوير والتزييف وجرائم إساءة الائتمان المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية؛ جرائم فساد لغايات تطبيق أحكام القرار بقانون، في حين أن تلك الجرائم غير واردة في اتفاقية مكافحة الفساد وتحديداً في الفصل الثالث الوارد تحت عنوان "التجريم وإنفاذ القانون" والتي تشمل: الرشوة، والاختلاس، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استعمال السلطة، والإثراء غير المشروع، وغسل الأموال، وإعاقة سير العدالة.

4. يُخضع مشروع القرار بقانون في المادة (3) جميع المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى أحكامه، وبالتالي إلى رقابة هيئة مكافحة الفساد، وهو نصٌ مستحدثٌ على المادة (2) من قانون مكافحة الفساد لسنة 2005 وتعديلاته الأصلي المقابلة للنص المذكور، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول طبيعة العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمهام والصلاحيات وحدودها، والإطار أو الوثيقة المرجعية القانونية العليا الناظمة لها؟ وفي حين تنص المادة (2) من مشروع القرار بقانون على استبدال عبارتي "السلطة الوطنية" و "رئيس السلطة الوطنية" بعبارتي "الدولة" و"رئيس الدولة" تماشياً مع الاعتراف بدولة فلسطين دولة غير عضو بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مقابل الفصل الثالث من القانون الأساسي المعدل (الدستور المؤقت) الوارد تحت عنوان "رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية" فإن التساؤل المطروح يتسع ليشمل طبيعة العلاقة القائمة بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية والمهام والصلاحيات المناطة بكل منها وحدودها والإطار أو الوثيقة القانونية المرجعية العليا الناظمة لكل منها؟

5. هنالك جملة ملاحظات على نص المادة (5) من المشروع، الذي يبدو شديد الغرابة، حيث نجد أن الفقرة (1) من المادة المذكورة تنص على أن "تنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون - القرار بقانون- هيئة تسمى "هيئة مكافحة الفساد" تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ويكون لها موازنة خاصة بها..". والملاحظ أن النص أسقط عبارة "ضمن الموازنة العامة للسلطة الوطنية" من نهاية الفقرة، والتي كانت واردة في النص المقابل في قانون مكافحة الفساد، فهل المقصود من إسقاط تلك الفقرة أن قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية رقم (7) لسنة 1998 وتعديلاته لا يسري على الموازنة الخاصة بهيئة مكافحة الفساد؟ وما علاقة الاستقلال الإداري والمالي وهو توجه منسجم مع اتفاقية مكافحة الفساد بإخراج موازنة الهيئة كلياً من نطاق قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية؟ ومَن هي الجهة التي ستراقب على موازنة الهيئة والحالة تلك؟

وفي الوقت الذي نجد فيه أن المشروع قد منح هيئة مكافحة الفساد صلاحيات واسعة، اقتحمت تخوم النيابة العامة وصلاحياتها المؤكد عليها في القانون الأساسي والتشريعات ذات الصلة، وتجاوزت أحكام اتفاقية مكافحة الفساد، نجد أن ذات الفقرة المذكورة قد نصت على أنه يجوز للهيئة بهذه الصفة أن " تُنيب عنها" في الإجراءات القضائية المتعلقة بها أو لأية غايات أخرى النائب العام أو من يمثله؟ وبالتالي كيف يستقيم القول بأن النائب العام، وهو المفوض من قبل المجتمع بدعوى الحق العام، يُناب من قبل الهيئة بتحريك ومباشرة دعوى الحق العام؟ وما المقصود أيضاً بعبارة "أو لأية غايات أخرى" الواردة في البند المذكور التي سيُناب فيها النائب العام؟ وما هو دور "النيابة المنتدبة" لدى هيئة مكافحة الفساد والحالة تلك؟ علماً بأننا لا نرى أيّ مبرر لوجود "النيابة المنتدبة" في المشروع، كما القانون الأصلي، حيث ينبغي أن تكون نيابة مكافحة الفساد "نيابة مُتخصصة" على غرار النيابات المتخصصة الأخرى؛ مثل نيابة دعاوى الحكومة ونيابة الأحداث ونيابة حماية الأسرة من العنف وغيرها من النيابات والدوائر المتخصصة لدى النيابة العامة، وذلك حفاظاً على مبدأ وحدة النيابة العامة.

6. تنص المادة (5) فقرة (2) من المشروع على أن "يعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الدولة بناء على تنسيب مجلس الوزراء وتحدد رواتبه ومكافآته وعلاواته وجميع حقوقه الوظيفية والمالية بقرار من رئيس الدولة". هذا النص، الذي يُنيط تعيين رئيس هيئة مكافحة الفساد بالسلطة التنفيذية- كما القانون الأصلي- وينيط تحديد رواتبه وعلاواته وجميع حقوقه المالية برئيس الدولة، يتناقض مع مفهوم الاستقلال الإداري والمالي الذي تتحدث عنه الفقرة الأولى من ذات النص، كما أن البند (4) من ذات النص قد استثنى، خلافاً للقانون الأصلي، رئيس الهيئة من الخضوع لأنظمة التقاعد السارية؛ بما يعني أن تلك الأنظمة تُطبق على موظفي هيئة مكافحة الفساد فقط باستثناء رئيس الهيئة، ما يعني والحالة تلك أن المستحقات التقاعدية لرئيس الهيئة تُحدد أيضاً بقرار رئيس الدولة، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول مدى تأثير تلك النصوص على استقلالية هيئة مكافحة الفساد؟

7. ينطوي المشروع على تضارب في المصالح، كون هيئة مكافحة الفساد هي الجهة التي أعدته، وهي التي وضعت سلم الدرجات والرواتب الخاص بها في المادة (5) فقرة (3) التي نصت على أن "يعين رئيس الهيئة عدداً كافياً من الموظفين والمستشارين لتمكين الهيئة من القيام بمهامها وفق سلم الدرجات الملحق بهذا القرار بقانون". إذ كيف يمكن لجهة (هيئة مكافحة الفساد) أن تعد مشروعاً لذاتها وأن تحدد درجاتها الوظيفية ورواتبها وعلاواتها المالية؟ كما أن سلم الدرجات والرواتب والعلاوات الخاص بموظفي الهيئة مقتبسٌ حرفياً عن نظام موظفي هيئة مكافحة الفساد الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (7) لسنة 2011 بما قد يوحي بأن الهدف من إدراجه في المشروع هو الحفاظ على الامتيازات الوظيفية والمالية لموظفي الهيئة بقوة قانونية أعلى من النظام كتشريعي فرعي من خلال مشروع القرار بقانون إنطلاقاً من مبدأ تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية.

8. تنص المادة (5) فقرة (5) من المشروع على أن "تتكون الموارد المالية للهيئة من المبالغ السنوية التي تخصص لها في الموازنة العامة، وفقاً للموازنة المعتمدة لها من قبل مجلس الوزراء بناءً على تنسيب رئيس الهيئة وكذلك من المساعدات والتبرعات غير المشروطة التي تقدم للهيئة". بقراءة هذا النص، مع المادة (5) فقرة (1) سالفة الذكر من المشروع؛ والتي لا تعتبر موازنة هيئة مكافحة الفساد ضمن الموازنة العامة، فإن تلك النصوص تعني أن يتم إدراج موازنة هيئة مكافحة الفساد كمركز مسؤولية (مركز صرف مالي) على بند الإنفاق العام في الموازنة العامة ومن ثم ترحيل نفقاتها إلى الموازنة الخاصة بها المنفصلة عن الموازنة العامة! ويُلاحظ أيضاً، أن النص المذكور منح هيئة مكافحة الفساد صلاحية تلقي " تمويل مالي خارجي" الأمر الذي قد يمس باستقلالية الهيئة وطبيعة دورها وقد يوحي بأنها باتت أقرب إلى مؤسسة أهلية. ويمكن أن يطرح تساؤلاً حول دور الجهات المانحة وطبيعة العلاقة بينها وبين الهيئة فيما يتعلق برسم السياسة العامة للهيئة والخطط والبرامج التنفيذية والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تندرج ضمن اختصاصات الهيئة بموجب المادة (7) من المشروع؟

9. رغم أن المادة (7) من مشروع القرار بقانون صوّبت الخلل الوارد في المادة (8) فقرة (3) من القانون الأصلي، التي تنص على أن تختص الهيئة بالتحقيق في الشكاوى التي تقدم عن جريمة الفساد، حيث جرى تعديلها بالنص على أن تختص الهيئة بالبحث والتحري وجمع الاستدلالات بشأن شبهات الفساد، كون النص الأصلىي يتعدى على صلاحيات النيابة العامة باعتبارها الجهة المخولة قانوناً بمباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي في مسار الدعوى الجزائية، إلاّ أن المادة (8) فقرة (2) من المشروع ما زالت تمنح الهيئة صلاحيات تحقيقية هي من اختصاص النيابة العامة؛ حيث جاء النص بالآتي "للهيئة أثناء إجراء تحقيقاتها أن تطلب كإجراء مستعجل من المحكمة بواسطة نيابة جرائم الفساد وقف العمل بأي عقد أو اتفاق أو منفعة أو امتياز إذا تبين لها من ظاهر البينة أنه تم الحصول عليه نتيجة فعل يشكل فساداً وذلك لحين البت في الدعوى بحكم مبرم ...".

كما أن النص المذكور؛ يمس بقرينة البراءة المفترضة في كل شخص باعتبارها مبدأ دستورياً بالسماح بوقف العقد أو الامتياز بناءً على الشُبهات، ويخل بضمانات المحاكمة العادلة، ويتجاوز حدود المادة (34) من اتفاقية مكافحة الفساد التي نصت ".. يجوز للدول الأطراف أن تعتبر الفساد - وليس شبهة الفساد- عاملاً ذو أهمية في اتخاذ إجراءات قانونية لإلغاء أو فسخ عقد أو سحب امتياز أو غير ذلك من الصكوك المماثلة أو اتخاذ أي إجراء انتصافي آخر". كما أن المادة (9) فقرة (6) من القانون الأصلي ما زالت تعتدي أيضاً على صلاحيات النيابة العامة بالنص على أن للهيئة أن تُباشر التحقيقات اللازمة لمتابعة أي من قضايا الفساد من تلقاء نفسها أو بناءً على إخبار أو شكوى ترد إليها من أي جهة، وتلك الصلاحيات التحقيقية تقع في صلب اختصاص النيابة العامة.

10. لا يوجد أيّ مبرر لأن يحصر المشروع، كما القانون الأصلي، تلقي البلاغات والشكاوى ومتابعتها بهيئة مكافحة الفساد، ونرى أن من حق أيّ مواطن التقدم مباشرة إلى النيابة العامة ببلاغ أو شكوى بشأن جرائم الفساد، بحيث تتولى نيابة مكافحة الفساد، باعتبارها نيابة متخصصة لدى النيابة العامة، كما سبق القول، متابعة التحقيق بشأنها، وفي حال قُدم البلاغ أو الشكوى إلى الهيئة فإنه يحال والحالة تلك إلى نيابة مكافحة الفساد، بما يضمن متابعة أشمل لجرائم الفساد ويساهم بشكل أكثر فعالية في مكافحتها ودرء مخاطرها عن المجتمع، وينسجم مع الدور الدستوري والقانوني الأصيل للنيابة العامة بتحريك ومباشرة دعوى الحق العام.

11. يعاني مشروع القرار بقانون من ذات الخلل الذي اعترى قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، من حيث انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة، حيث نصت المادة (9) فقرة (5/ج) من المشروع على أنه "إذا حضر المتهم إحدى جلسات المحاكمة ثم انسحب منها، لأي سبب كان، أو غاب عن إحدى جلسات المحاكمة بعد حضوره إحدى جلساتها، تستمر المحكمة في نظر الدعوى كما لو كان حاضراً، ولا يجوز إعادة النظر في القرار، إلا إذا اقتنعت المحكمة أن غيابه يعود لقوة قاهرة". وبالتالي فإن النص المذكور يخل بضمانات المتهم، ولا سيما حقه في الدفاع عن نفسه في مواجهة قرار قضائي صدر في غيابه، بما ينتهك الحق في ضمانات المحاكمة العادلة. وفي ذلك تؤكد اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام رقم (32) على ما يلي "إن فرض القيود على تمثيل المتهم نفسه لا يجب أن يتعدى ما هو ضروري للحفاظ على مصلحة العدالة ولا ينبغي أن تنص القوانين، بأيّ حال من الأحوال، على منع المتهم من تمثيل نفسه في الإجراءات الجزائية".

12. يستمر مشروع القرار بقانون في الوقوع بذات الخلل الذي اعترى قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى من خلال المادة (9) فقرة (6) أيضاً؛ من حيث الإخلال بمبدأ التقاضي على درجتين الذي يقوم عليه النظام القضائي الفلسطيني، والاخلال بضمانات المحاكمة العادلة، حيث نص البند المذكور على أن يكون القرار الصادر عن المحكمة المختصة بالنظر في جرائم الفساد قابلاً للاستئناف خلال عشرة أيام من تاريخ صدره وتنظر فيه محكمة الاستئناف "تدقيقاً" وتفصل فيه خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمه. وقد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام (32) على المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة، على أن القاعدة العامة تتمثل في عقد إجراءات الاستئناف علانية وأمام الملأ، وأن تحضرها أطراف النزاع، وهذه ضمانة إضافية للعدالة في صالح المتهم، وكبيرة الأهمية للحفاظ على ثقة الجمهور بنظام العدالة، وخلصت اللجنة إلى أن قصر المراجعة القضائية على الجوانب القانونية لم يفِ بمتطلبات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في إجراء تقييم وافٍ للأدلة وسير إجراءات العدالة.

13. تنص المادة (11) فقرة (7) من المشروع بأنه "على جميع أفراد الضابطة القضائية تنفيذ قرارات الهيئة الصادرة بشأن طلبات الحماية". يتعارض هذا النص مع صلاحيات النيابة العامة بموجب قانون الإجراءات الجزائية الذي نص في المادة (19) على أن يتولى أعضاء النيابة العامة مهام الضبط القضائي والإشراف على مأموري الضبط كل في دائرة اختصاصه، فيما نصت المادة (20) على أن يشرف النائب العام على مأموري الضبط القضائي ويخضعون لمراقبته فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم وللنائب العام أن يطلب من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله ولا يمنع ذلك من مساءلته جزائياً. وبالتالي، فإن تنفيذ قرارات الهيئة بشأن طلبات الحماية ينبغي أن يتم من خلال النيابة العامة.

14. يعاني مشروع القرار بقانون من ذات الخلل الذي اعترى قرار بقانون الجرائم الإلكترونية بشأن مسألة "الترصد الإلكتروني والاختراق" من حيث إغفال المعايير الدولية المتعلقة بالضوابط الواردة على حرية التعبير عن الرأي، والتي تتمثل في وجوب توفر شرطي "الضرورة والتناسب" حيث نصت المادة (13) من المشروع على أنه "من أجل تسهيل جمع الأدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون - القرار بقانون- يمكن اللجوء إلى التسليم المراقب أو اتباع تحر خاص كالترصد الإلكتروني والاختراق على النحو المناسب بإذن من المحكمة، وتكون للأدلة المتوصل إليها بهذه الأساليب حجيتها التي يخضع الأخذ بها لتقدير المحكمة". إذ بالرغم من أن النص المذكور مستوحى من المادة (50) من اتفاقية مكافحة الفساد المتعلقة بأساليب التحري الخاصة؛ إلا أنه لم يراعِ أحكام المادة (19) فقرة (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالضوابط الواردة على حرية التعبير عن الرأي، والمعايير الدولية بهذا الخصوص، والتعليق العام رقم (34) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المتعلق بحرية التعبير عن الرأي، ولا سيما توفر شرطي الضرورة والتناسب؛ وتعني الضرورة والحالة تلك أن يكون الترصد الالكتروني والاختراق هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق غرض مشروع، أي بمعنى أنه إذا كانت هناك وسيلة أخرى بالإمكان اللجوء إليها لتحقيق الغرض المشروع فلا يجوز اللجوء إلى الترصد الإلكتروني والإختراق، لانتفاء شرط الضرورة، وعبء الإثبات يقع على عاتق الجهة التي قامت بالترصد والاختراق. وأمّا التناسب فيعني أن تكون هناك أدلة واضحة على أن جريمة فساد قد وقعت أو أنها على وشك الوقوع، وأن أساليب التحري الأخرى الأقل انتهاكاً استنفدت بلا جدوى، وأن المعلومات التي يتم الحصول عليها مقتصرة على أدلة الجريمة محل التحري الخاص دون أية معلومات زائدة عن ذلك، وأن تتم تلك الإجراءات بموجب حكم قضائي، وهذا ما أكدته أيضاً المبادىء الدولية بشأن مراقبة الاتصالات لسنة 2014.

15. وقع المشروع مجدداً بذات الخلل الذي اعترى قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، بانتهاك قرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة، بالنص على أن تكون الأحكام الصادرة عن المحكمة المختصة بالنظر في جرائم الفساد "مُعجّلة التنفيذ"حيث جاءت المادة (14) فقرة (3) من المشروع بالآتي" يكون التنفيذ المعجل واجب بقوة القانون لجميع الأحكام الصادرة بحق من أدين بأحد الجرئم المحددة بهذا القانون - القرار بقانون- ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك". وبالتالي فإن النص المذكور ينتهك قرينة البراءة المفترضة في أي متهم قبل صدور حكم نهائي بات بحقه، أصبح عنواناً للحقيقة، وينتهك ضمانات المحاكمة العادلة، ويتعارض مع أحكام نص المادة (14) من القانون الأساسي التي أكدت على مبدأ قرينة البراءة، ومع أحكام المادة (340) من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه "يجوز للمحكمة إرجاء تنفيذ الحكم المستأنف لحين الفصل في الاستئناف إذا أبدى المحكوم عليه رغبته باستئناف ذلك الحكم". ووفقاً للتعليق العام رقم (24) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فإن الحق في قرينة البراءة يعتبر قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، وينطبق في جميع الظروف والأحوال، ولا يجوز إخضاعه للتحفظات في المعاهدات الدولية أو تقييده في القانون حتى في أوقات الحرب وحالات الطوارىء، وهو يشكل عنصراً أساسياً من عناصر الحق في إجراء محاكمة جنائية عادلة بحكم القانون.

16. يُلاحظ أن مشروع القرار بقانون يُكثر من استخدام مصطلح "قانون" بدلاً من مصطلح "قرار بقانون" رغم الفرق الواسع بين التشريع الأصيل (القانون) الصادر عن المجلس التشريعي والتشريع الاستثنائي (القرار بقانون) الصادر عن السيد الرئيس، بما يشكل مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات الراسخ في القانون الأساسي.