القائمة الرئيسية
EN
ملاحظات قانونية أولية بشأن ضريبة الدخل
الكاتب: د. عصام عابدين
20، فبراير 2012

أولاً: في الإطار العام


  1. taxينبغي قراءة جدوى القرار بقانون بشأن ضريبة الدخل وغيره من رزمة التشريعات التي قدمتها الحكومة في خطتها التقشفية للعام 2012 في إطار سياساتها المالية والاقتصادية وخياراتها المحدودة بفعل اتفاقية أوسلو وتبعاتها الأمنية والاقتصادية (بروتوكول باريس) المخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على بطلان أية اتفاقيات تعقدها السلطة الواقعة تحت الاحتلال مع دولة الاحتلال إذا كانت تنتقص من حقوق المواطنين المحميين الواقعين تحت الاحتلال وكذلك اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تؤكد على وجوب أن تتحمل قوة الاحتلال الفاتورة الاقتصادية والنفقات المالية لاحتلالها. وينبغي قراءتها أيضاً، في إطار الخلل البنيوي في التعاطي مع الأداة المالية للحكومة خاصة وأن موازناتها العامة لا زالت تفتقر للخطط التنموية، وللأولويات في عملية الإنفاق، ولسياسة ضبط وترشيد في النفقات العامة التي تضاعف حجمها ثلاث مرات منذ عام 2000 مقابل الاعتماد على إيرادات في معظمها غير مؤكدة، وتفتقر لتوزيع عادل لقطاعات الموازنة، ولا زال بند الرواتب والأجور بفعل تراكم السياسات الخاطئة يستنزف ثلثي الإيرادات بما يجعل هامش المناورة محدود للغاية، ولا زالت التعيينات والترقيات في القطاع العام تجري على قدم وساق في ظل تساؤلات حول مدى شفافيتها واحترامها لقانون تنظيم الموازنة العامة وللموازنات المقرة، وهنالك تساؤل هام حول مدى وجود رقابة أساساً على عملية تنفيذ الموازنة العامة.
  2.  أدوات التدخل المتوازن التي يتحدث عنها رئيس الحكومة ينبغي أن تحترم أولاً مبدأ سيادة القانون كأساس للحكم الصالح، ومن ثم أن توازن بين موضوع جباية الضرائب والرسوم وغيرها وبين مدى وجود خطط تنموية وتطبيق على الأرض للحد من مشكلات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وتوفير شبكة أمان اجتماعي وضمان عدالة اجتماعية وحماية الفئات المهمشة وتحفيز القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عماد الاقتصاد الفلسطيني وحماية المنتج المحلي وحماية السوق ودعم الزراعة والصناعة والصادرات، وقناعة بعدم إمكانية الحديث عن فلسفة اقتصاد حر في ظل وجود احتلال.
  3. يستند القرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل في إصداره إلى المادة (43) من القانون الأساسي، ولا ينطبق عليه الشرط الدستوري الوارد في النص المذكور والخاص بوجود "ضرورة لا تحتمل التأخير" لصحة عملية إصداره من الناحية الدستورية، لأنها تعني بالمفهوم المستقر دستورياً وقضائياً وجود خطر جسيم داهم وحال يهدد بانهيار كلي أو جزئي لأجهزة أو مؤسسات السلطة أو يهدد الوحدة الوطنية ولا يمكن مواجهته بالإجراءات التشريعية المعتادة بما يستدعي تدخلاً استثنائياً من الرئيس من خلال القرار بقانون لمواجهة هذا الخطر الجسيم ودون المساس بأية تشريعات لا تتعلق بطبيعة الخطر. وحيث أن هذا القرار بقانون، لا يشكل حاجة ماسة للاقتصاد الفلسطيني لا تحتمل التأخير، أي بمعنى أن عدم إصداره لا يشكل تهديداً للاقتصاد الفلسطيني ينذر بتبعات خطيرة، خاصة وأن تلك الإيرادات الضريبية لا تشكل أكثر من 6-7% من حجم الإيرادات المحلية، فإنه من الصعوبة أو الاستحالة التسليم بصحة هذا القرار بقانون من الناحية الدستورية ولا سيما في ظل عدم وجود فراغ قانوني أصلاً في التشريع الضريبي مع وجود قانون ضريبة الدخل رقم (17) لسنة 2004 الصادر عن المجلس التشريعي صاحب الاختصاص الدستوري الأصيل في التشريع، وما قيل بشأن القرار بقانون لعام 2011 بشأن ضريبة الدخل ينطبق على القرارات بقوانين التي صدرت في الأعوام 2007 و2008 و2009 وعدلت قانون ضريبة الدخل لعام 2004.
  4.  لقد تفردت الحكومة بإعداد القرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل ورفعه إلى رئيس السلطة لإصداره بقرار بقانون، دون أي نقاش مجتمعي أو مشاركة في عملية الإعداد قبل الإقرار والنشر في الوقائع والنفاذ، علماً بأن مدير عام دائرة ضريبة الدخل قد صرح بأن إعداد هذا القرار بقانون قد استغرق خمسة عشر شهراً، ويلقى هذا القرار بقانون معارضة من مجموعة العمل البرلمانية الخاصة بالشأن المالي والاقتصادي التي أوصت في تقريرها الصادر بتاريخ 16/11/2011 بوقف العمل به كما ويلقى معارضة من عدد من الخبراء ومن القطاع الخاص علاوة على المعارضة الشعبية. مع التذكير بأن الحكومة الحالية هي "حكومة تسيير أعمال" بعد أن قدمت استقالتها في شباط 2011 ولا يصح لها دستورياً إعداد مشروعات قوانين ورفعها للرئيس للإقرار وقيامها بهذا الإجراء يشكل مخالفة دستورية للمادة (78/3) من القانون الأساسي والتي تؤكد على أنه لا يجوز لحكومة تسيير الأعمال أن تتخذ من الإجراءات إلاّ ما هو لازم وضروري لتسيير الأعمال التنفيذية ليس إلاّ.
  5. دون الإجحاف بما سبق ذكره، فقد كان ينبغي على الحكومة أن تقدم "مذكرة إيضاحية" للقرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل توضِّح فيها مدى دستورية هذا القرار بقانون وفلسفته وأهدافه وغاياته وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية ومدى قدرته على الحد من التهرب الضريبي، مع تفسير كامل لكافة النصوص القانونية الجديدة التي جاء بها مقارنة مع ما ورد في قانون ضريبية الدخل رقم (17) لسنة 2004 الصادر عن المجلس التشريعي جهة الاختصاص

ثانياً: في نصوص القرار بقانون بشأن ضريبية الدخل

  1. يمنح القرار بقانون في المادة (16/5) مجلس الوزراء بتنسيب من وزير المالية صلاحية تعديل الشرائح والنسب الضريبية كما ويمنح في المادة (12/2) مجلس الوزراء بتنسيب من وزير المالية أيضاً صلاحية تعديل الإعفاءات الضريبية كلياً أو جزئياً، وتلك الصلاحيات تشكل مخالفة دستورية مباشرة لأحكام المادة (88) من القانون الأساسي والتي تنص على أن " فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاؤها، لا يكون إلاّ بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلاّ بقانون". بما يعني أيضاً أن قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 1/1/2012 بتعديل الشرائح والنسب الضريبية والذي جرى تجميده موقتاً هو قرار غير دستوري. ويجب الانتباه إلى أنه لا يوجد أي نظام في العالم يمنح الحكومة تلك الصلاحية التشريعية غير الدستورية.
  2. يمنح القرار بقانون بشأن ضريبة الدخل الجهات المكلفة بتنفيذه (وزير المالية ومدير عام دائرة ضريبة الدخل والمقدر) صلاحيات إدارية ومالية بل وقضائية واسعة وغير مبررة قانوناً وتصطدم في جوانب عديدة بالنصوص الدستورية، ومنها ما يتعلق بالمادة (23) الواردة تحت عنوان الفحص الضريبي ومراجعة سجلات المكلفين والتي منحت مدير عام دائرة ضريبة الدخل وموظفي الدائرة المفوضين خطياً أثناء قيامهم بأعمالهم صلاحيات "الضبط القضائي" علماً بأن تلك الصلاحية القضائية تُمنح عادة وقانوناً لفئات محددة داخل الأجهزة الأمنية، وليس لجميع منتسبي الأجهزة الأمنية، فكيف الحال إنْ كنا أمام موظفين مدنيين ذوي صفة إدارية، كونها تمس بالحقوق والحريات الشخصية وتصل حد الاحتجاز والقبض على الأشخاص، مع الإشارة إلى أن هذا النص مستحدث فقط في القرار بقانون 2011، ولا نؤيد إطلاقاً هذا الميل لمنح تلك "الصفة القضائية" في عدد من التشريعات ذات الطابع الاقتصادي وليس فقط هذا التشريع؟! ومن الغريب أيضاً أن يرد في المادة (28/4) الواردة تحت عنوان الاعتراض على التقدير أنه يجوز للمقدر أن "يستجوب" أي شخص يعتقد أن لديه معلومات تتعلق بدخل المعترض على التقدير علماً بأن هذا الإجراء (الاستجواب) هو من أخطر إجراءات التحقيق التي تختص بها حصراً النيابة العامة.

كما وتجيز المادة (33) الواردة تحت عنوان تحصيل الضريبة بالنص الصريح للمدير، أو مَن يفوضه خطياً، ممارسة كامل الصلاحيات المخولة "للحاكم الإداري" (نص مستحدث في تعديلات 2011) علماً بأن قانون تحصيل الأموال الأميرية لعام 1952 الذي أحال إليه النص المذكور يُعرّف الحاكم الإداري بأنه "أكبر موظف إداري في العاصمة واللواء والقضاء"!

كما وتجيز المادة (33) أيضاً للمدير أو مَن يفوضه الحجز على أموال المكلف أينما وجدت بقرار من المحكمة المختصة وكذلك الطلب من المحكمة المختصة منع أي مكلف من مغادرة البلاد قبل تسوية ديونه علماً بأن مثل هذا الطلبات أو الإجراءات القضائية التحفظية يختص بها النائب العام! مع الإشارة إلى أن قانون ضريبة الدخل 2004 قد عانى من تلك الإشكالية القانونية وإنْ كان يشترط موافقة وزير المالية على طلب المدير في مثل تلك الأحوال.

وتجيز المادة (34) الواردة تحت عنوان "صلاحية المدير بفرض ضرائب مقطوعة" للمدير أو من يفوضه خطياً أن يصدر قراراً يقضي بفرض ضريبة مقطوعة على فئة أو فئات معينة من الأشخاص في تحد للقانون الأساسي الذي يؤكد على أن فرض الضرائب أو تعديلها أو إلغاؤها يكون بقانون بحيث تقتصر حدود صلاحيات المكلفين بتنفيذه على "التنفيذ فقط" لا على تشريع فرض ضرائب مقطوعة! علماً بأن قانون ضريبة الدخل 2004 قد عانى من تلك الإشكالية القانونية وإنْ كان يشترط موافقة وزير المالية وصدور تعليمات عن الوزير يحدد بموجبها ضريبة دخل سنوية مقطوعة على فئة أو فئات معينة من المكلفين.

كما وتجيز المادة (37) الواردة تحت عنوان العقوبات للمدير أن يجري مصالحة على جرائم تهرب ضريبي ارتكبت خلافاً لأحكام القانون كما وتجيز له وقف أي إجراءات قضائية اتخذتها محكمة الاختصاص في مواجهة تلك الجرائم إلى ما قبل صدور الحكم القضائي وإجراء المصالحة على تلك الجرائم وفقاً للمبالغ التي يحددها. ومثل تلك الصلاحيات الممنوحة للمدير وإنْ كانت واردة في قانون ضريبة الدخل 2004 فإنها تُبدي تساهلاً غير مبرر في "مكافحة جرائم التهرب الضريبي" كما وتخلو من أية إجراءات أو ضمانات تكفل عدم الغلو في استخدام تلك الصلاحيات، وقد تشكل مدخلاً للفساد الإداري والمالي، ولا شك في أنها تمس باستقلال القضاء بالمحصلة النهائية.

وتذهب المادة (45) من القرار بقانون بعيداً في منح الصلاحيات التشريعية لمجلس الوزراء على حساب القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية بقولها " يصدر مجلس الوزراء الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القرار بقانون بما فيها نظام مكافآت موظفي الدائرة ونظام أصول المحاكمات المتبعة في القضايا الحقوقية المقامة وفق أحكام هذا القانون بما في ذلك الأحكام المتعلقة بدفع الرسوم ومواعيد الطعن القضائي ودرجات الطعن وإجراءاته ومحتويات لائحة الطعن ومَن له الحق في رفع الدعوى وجميع الأحكام والإجراءات اللازمة للسير في الدعوى"! إذ من الواضح أن هذا النص يخالف العديد من الأحكام الواردة في القانون الأساسي في باب السلطة القضائية والأحكام الواردة في قانون السلطة القضائية، فتلك الإجراءات تنظم بقوانين قضائية، بل إن السلطة التشريعية تحتاج دستورياً إلى أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى في مثل تلك القوانين قبل إصدارها، علاوة على مخالفة النص لمبدأ الفصل بين السلطات وحدود الصلاحيات الدستورية للحكومة. والأنظمة المتوارثة التي كانت سارية بخصوص استئناف وتمييز قضايا ضريبة الدخل وكذلك قرار مجلس الوزراء رقم (140) لسنة 2005 بلائحة أصول المحاكمات الضريبية في استئناف ونقض قضايا ضريبة الدخل لا تقوى على مخالفة القانون الأساسي. كما أن ما ورد في النص المذكور من نظام مكافآت لموظفي دائرة ضريبة الدخل قد يُثير الآن تساؤلاً في ظل خطة الحكومة التقشفية 2012.

3. تحصر المادة (7/4) من القرار بقانون المتعلقة بالدخل المعفى من الضريبة الإعفاء الوارد على مكافأة نهاية الخدمة بما لا يتجاوز شهر عن كل سنة، أي بمعنى أنها تفرض الضريبة على مكافآة نهاية الخدمة فيما يزيد على الشهر، وهذا التوجه الجديد لا يبدو مبرراً في ظل تأكيد قانون ضريبة الدخل لعام 2004 على إعفاء مكافأة نهاية الخدمة كلياً من الضريبة. كما وقد حذف النص المذكور دخل الشخص الطبيعي من المزارعين من قائمة الدخول المعفاة من الضريبة علماً بأنه كان وارداً في الدخول المعفاة من الضريبة بموجب المادة (6/14) من قانون ضريبة الدخل لعام 2004 وهذا الإجراء غير مبرر على الإطلاق ويتناقض مع السياسة المعلنة للحكومة بدعم وتشجيع القطاع الزراعي وأهميته في دعم الاقتصاد الفلسطيني.

4. يرى خبراء في الاقتصاد والمالية العامة بأن تحديد مبلغ الإعفاء الضريبي السنوي للشخص المقيم الوارد في المادة (12) من القرار بقانون بمبلغ (30000 شيكل) سنوياً ينبغي أن يتم في ضوء دراسة خط الفقر وملاءمته لذلك حيث من المفترض أن يزداد الإعفاء بنسبة 25% مرتفعاً عن خط الفقر ولكن النص المذكور وضع حداً للإعفاء ملامساً لخط الفقر تقريباً.

5. يبدو أن التوافق الذي جرى بين ممثلين عن القطاع الخاص والحكومة على تأجيل الاستفادة من الحوافز والإعفاءات المنصوص عليها في قانون تشجيع الاستثمار طوعياً لسنتين دون الإجحاف بالحقوق وعلى عدم تجاوز السقف الأعلى للضريبة التصاعدية على الدخل الخاضع للضريبة للشخص المعنوي عن نسبة 20% يُعاني من إشكاليات في التطبيق، الأمر الذي قد يحتاج في نهاية المطاف إلى إجراء تعديلات حسب الأصول على قانون تشجيع الاستثمار رقم (1) لسنة 1998 وتعديلاته كون تلك الحوافز والإعفاءات ممنوحة بقوة هذا القانون، وللعدالة الضريبية، فإنه ينبغي إعادة النظر في فلسفة وأهداف القانون المذكور بحيث لا تقتصر تلك الحوافز والإعفاءات الضريبية على الشركات الكبرى التي يزيد رأس مالها على 250 ألف دولار أمريكي (تعديلات 2011) ويتم استثناء المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الحوافر والإعفاءات الضريبية وقد باتت تمثل الأغلبية الساحقة (99 %) من المؤسسات القائمة والمسجلة في فلسطين وتوظف العدد الأكبر من المستخدمين، علاوة على وجود اعتبارات سياسية تتطلب إعادة النظر في التعديلات التي جرت على قانون تشجيع الاستثمار تتمثل في الحفاظ على الأرض.

6. إن كثرة الإحالات على "الأنظمة والتعليمات" التي ينص عليها القرار بقانون بشأن ضريبة الدخل من شأنها أن تخلق أجواء ضبابية وإشكاليات جدية في ترجمة نصوصه على أرض الواقع كما أنها لا تعبّر عن سياسة تشريعية حكيمة.

7. ينبغي إعادة النظر في المادة (46) من القرار بقانون المتعلقة بسريانه "بأثر رجعي" والتي تنص على أن تُفرض ضريبة الدخل وتحصل على الدخول المتحققة في سنة 2011 وما يتبعها حسب أحكام هذا القرار بقانون، فهذا التوجه لا ينسجم مع طبيعة النصوص القانونية ذات الأثر المباشر في التطبيق، كما أنه يخل بمبدأ استقرار المراكز والمعاملات القانونية.